قضايا ودراسات

ميزان الانتخابات البرلمانية البريطانية

د. عمر عبدالعزيز
تتعالى طبول التحديات غير المألوفة في بريطانيا بالترافق مع زحف الناخبين نحو صناديق الاقتراع اليوم الخميس، وتتلخَّص هذه التحديات في النزعة الانفصالية المتنامية في إقليمي اسكتلندا وأيرلندا، فقد ارتفعت أصوات المطالبين بانفصال اسكتلندا، بالترافق مع الاستفتاء المتهور الذي أفضى إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو الخروج الذي سبقته مقدمات أساسية، ومنها رفض بريطانيا المسبق للانخراط في مصفوفتي قوانين النقد الأوروبي الموحد (اليورو)، واتفاقية (شينغن) للتأشيرة الجماعية الدولية نحو أوروبا الموحدة، وقد تداعت يومئذ حكومة ديفيد كاميرون المستقيلة مهرولة نحو الاستفتاء بالخروج أو البقاء في الاتحاد الأوروبي، مُراهنة على نجاحها المبهج باستفتاء الانفصال الاسكتلندي قبل ذلك، والذي اختار فيه الناخبون بقاء بريطانيا موحدة تحت راية المملكة المتحدة. ولعل هذا الظفر السياسي الاستثنائي دفع رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون ومن معه إلى الاستفتاء التالي مباشرة، ولعلهم لم يتوقعوا النتيجة الصاعقة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عطفاً على هذا الاستفتاء، ولقد كان رهان كاميرون وحكومته على المزاج الشعبي المحكوم بالحسابات الذاتية الصغيرة رهاناً خاسراً بكل المقاييس، الأمر الذي يضع حكومة رئيسة الوزراء الحالية تيريزا ماي أمام ماراثون تفاوضي صعب مع الشركاء الأوروبيين، بحثاً عن صيغة تضمن الحد المناسب من عدم التضرر جراء الخروج، لكن الظاهر المرصود أن هذه الأضرار قد تتالت بُعيد نتائج الاستفتاء مباشرة، فقد تراجع الجنيه البريطاني عن مكانته التاريخية، مترنحاً لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، كما بدا سوق المال اللندني الكبير متأثراً بسلسلة من الضربات المؤثرة في دوره كأكبر مركز مالي أوروبي؛ جراء انتقال العديد من البنوك المالية العابرة للقارات إلى مناطق أُخرى وخاصة ألمانيا.
جملة التحديات السابقة تنتصب أمام حكومة «تيريزا ماي» المحافظة، وبالمقابل يتمترس اليساريون التقليديون في حزب العمال بزعامة «جيرمي كوربن» مُراهنين هذه المرة على المُتغيِّر المحتمل في مزاج الشارع البريطاني، مستأنسين بالمفاجأة القريبة التي حملت الوسطية الليبرالية في فرنسا المجاورة إلى سدة الإليزيه. فقد لاحظ المراقبون درجة الانعطافة الحادة التي ميَّزت سلوك الناخب الفرنسي لتطيح باليمين العاتي، وتضع ماكرون «المجهول» في موقع الرئاسة الفرنسية. الأمر الذي فتح آمالاً كبيرة أمام العماليين البريطانيين المعروفين بنزعتهم الاجتماعية الرائية للتوازن المجتمعي، على حساب التنمية الرأسمالية المنفلتة من عقال التوازن. وبهذا المعنى يظل رهان الوسطية العمالية البريطانية قائماً على تأمين مصالح أقل الطبقات الاجتماعية حظاً في الثراء، وكذا المحتاجين لمساعدة المجتمع، وفي مقدمتهم المُسنون والعاطلون وذوو الدخل المحدود.
يعتقد المتابعون للحالة الانتخابية البريطانية بأن قطاعاً واسعاً من الشباب لن يولوا كبير عناية للإدلاء بأصواتهم، وهذا يجعل ترجيح كفة الفئات الوسطى وكبار السن وارداً في معادلة التصويت الفعال، وهذا يصب في كفة حزب العمال، خاصة إذا عرفنا أن خطاب اليمين المتطرف التحريضي الشعبوي ينحسر إلى حد كبير في بريطانيا أكثر بكثير من بقية البلدان الأوروبية.
اليوم الخميس هو يوم سجالي في بريطانيا بكل ما في الكلمة من معنى، وسيواجه المحافظون تحدياً أساسياً في حالتي الفوز بمقاعد إضافية أو خسارتها، ففي حالة الفوز بمقاعد إضافية سيجدون أنفسهم أمام حاجزين عاتيين، يتمثَّل الأول في التخلِّي الجبري عن المكاسب الاجتماعية التي تحولت إلى نمط حياة اجتماعية في بريطانيا، ويتمثَّل الثاني في تسريع النمو الاقتصادي بالترافق مع تداعيات ما بعد الخروج الفعلي من الاتحاد الأوروبي، وبالاستتباع ستنبري المسألة الاسكتلندية كعائق آخر أمام المحافظين.
وإذا ما حقق حزب العمال مقاعد إضافية في البرلمان، كما يتوقع بعض المراقبين، فإن جيرمي كوربن العُمالي قد يتم اختياره رئيساً للوزراء، ضمن صيغة توافقية مع المحافظين، وبخصوصية بريطانية، وفي تلك الحالة سيثبت سحرة السياسة البريطانية قدرتهم على الإبحار الرشيق في مختلف الأجواء والتقلبات.

omaraziz105@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى