مقالات عامة

نار أشعلت عقل الإنسان

شيماء المرزوقي

في هذا العصر نتحدث عن الذكاء الصناعي والروبوتات، ويدور نقاش حول تفوق الذكاء الآلي على الإنسان وإذا كان يهدد الوجود البشري، تماماً كما نفعل مع كل جديد حيث يكثر الجدل والنقاش حوله، إلا أن التطوير مستمر ولا يتوقف. نعيش في عصر تقنيات الاتصالات والتي نقلت البشرية من مرحلة إلى مرحلة مختلفة كلياً، حيث بات التواصل ونقل المعلومات ميزة مشاعة للجميع دون استثناء، ودخلت الصورة لتحكي أكثر من الكلمة التي تسيدت المشهد البشري طويلاً وساهمت في التقدم الحضاري للإنسان طوال قرون وقرون ماضية، وسط لجة كل هذا الزخم الهائل من التقنيات والابتكارات، نستحضر الإنسان قبل نحو خمسة ملايين عام، عندما بدأ كفاحه من أجل التطور، لتكون البداية في اكتشاف أسرار النار.
وعندما نقول الأسرار لا تذهب عقولكم بعيداً، فقد تمثلت هذه الأسرار في كيفية إشعال النار والسيطرة عليها وحسب، ولكن هذه الخطوة التي يراها البعض شديدة التواضع كانت مبهرة ونقلت الإنسان من مرحلة الخوف من الضواري والحيوانات المتفرسة، مرحلة الاستسلام للأجواء الباردة، للعجز أمام الأخشاب الكبيرة التي تستهلك وقته وقوته ليتمكن من استخدامها. كل هذا توقف وانتهى وانتقل إلى مرحلة التفوق والسيطرة على هذه الحيوانات ومرحلة الدفء من البرد والشتاء القارص ومرحلة صهر الأدوات وتشكيلها لتناسب احتياجاته.
يقول العلماء إن الفضول هو الذي مكن الإنسان من اكتشاف كيفية السيطرة على النار، التي كان يراها تشتعل في الغابات إما بسبب البرق أو شدة الجفاف مع قوة أشعة الشمس، ويرى الحيوانات تهرب من اللهب، فعلم أنها قوة تمكنه من التغلب على المنافسين في الغابات والتي عادة تهدد حياته ووجوده. وتبعاً لهذا التطور الكبير بدأ في صناعة الأدوات حيث ساهمت النار في الصهر والتذويب، ولم تتوقف عملية التطور ولو للحظة من الزمن.
عندما تقرأ عن هذا التاريخ الملحمي، وكل هذا العمق في الصراع من أجل البقاء أولاً ومن أجل التميز والارتقاء ومن أجل الرفاه والتطور ثانياً، تدرك أن ما نعيشه اليوم ما هو إلا لبنات تم تأسيسها على أحلام وآمال الإنسان منذ ملايين السنين، ما نعيشه اليوم هو نتاج لكل تلك التضحيات، لكل الدموع والهم والحماس والإحباط ولكل من مات في سبيل العلم واكتشاف شيء جديد يساهم ويساعد على التطور والارتقاء البشري، ليكون الإنسان في أعلى هرم المخلوقات التي تعيش على كوكب الأرض.
عندما أشعل الإنسان النار، أشعل الأفكار الجديدة في عقله.

Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى