قضايا ودراسات

نصر الموصل المشروط

توشك القوات العراقية على إعلان الموصل مدينة محررة من تنظيم «داعش» الإرهابي بعد معارك قاسية استغرقت نحو ثمانية أشهر وخلفت دماراً هائلاً في المدينة، طال الكثير من معالمها التاريخية. وسيعد هذا النصر منعرجاً حاسماً في الحرب العالمية على الإرهاب، وسيجسد أكبر إنجاز عسكري في هذا المجال، فالموصل اتخذها التنظيم الإرهابي «عاصمة»، ومنها خطط لتوسعه ودبر العديد من الجرائم التي أودت بحياة الآلاف من الأبرياء من جنسيات مختلفة.
أحد المسؤولين العسكريين الأمريكيين قال قبل أيام: «إنه متفاجئ من الانهيار السريع ل«داعش»»، راداً بذلك على تصريحات سابقة لجنرالات كبار أن المعركة ضد التنظيمات الإرهابية قد تمتد إلى سنوات، وبعضهم حددها بثلاثين عاماً، ولكن الواقع بدأ يحبط عملياً تلك التوقعات غير البريئة وغير المنطقية، فإذا كان العالم الحر قد دمر قبل سبعين عاماً ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية وسحقهما في خمس سنوات، فما بالك بهذا العالم كله تقريباً وقد جند أحدث ما لديه من أسلحة ومعدات واستخبارات لهزيمة تنظيم إرهابي لا يمتلك من أسباب القوة غير الدعاية المضللة والأيديولوجيا السوداء، وها قد بينت معارك العراق ومواجهات سوريا أنه أهون من أن يشكل خطراً عسكرياً، مثلما كان يجري تصويره والدعاية له، بسذاجة حيناً وبنوايا سيئة أحياناً.
الإجهاز العسكري على «داعش» أصبح مسألة محتومة، أما التهديد الباقي فيتعلق بمحاربة أفكاره، وتجفيف منابع تمويله، وملاحقة داعميه أينما كانوا، والكف عن توظيفه أداة لتدمير البلدان وتشريد الشعوب. أما أهم هدف يجب أن يتحقق لقطع الطريق على العودة إلى مربع الإرهاب والفتنة، فهو اجتثاث أسباب نشوء الظاهرة واتساع مخاطرها. وفي العراق، هناك الكثير من أسباب تدهور الأوضاع مجدداً، ولكنّ هناك أسباباً أكثر لطي الصفحة نهائياً، والإقبال على مستقبل أرحب يسوده الوئام والوحدة الوطنية والانسجام العرقي والطائفي. فبعد تحرير الموصل وكل المحافظات الغربية والشمالية، يمكن للعراق الجديد أن يولد بلا عاهات أو تشوهات، وشروط ذلك تتمثل في البعد عن السياسات الطائفية التي سادت البلاد منذ الاحتلال الأمريكي، والمحافظة على الاستقلال الوطني، ورفض كل التدخلات الأجنبية والإقليمية في شأنه الداخلي. ومثلما هناك رفض كبير لمحاولات الهيمنة الإيرانية على بغداد، هناك استياء من أن ينظر إلى العراق وكأنه صنيعة أمريكية تم تشكيلها لتظل متوترة ومتصارعة على الدوام. وأثبتت سنوات ما بعد الاحتلال المشؤوم هذا الواقع. أما اليوم، فهناك فرصة ذهبية أمام العراقيين لتصحيح الصورة بقلب كل المعطيات والعودة إلى الأصول والثوابت العربية والوطنية، فالعراق مهما تداول عليه الغزاة والإرهابيون فسيظل أحد أعمدة الوطن العربي، وسراً من أسرار مجده وتاريخه العريق.
بتحرير الموصل وجوارها، يستحق كل العراق التهنئة على النصر والإنجاز، ولكن بشرط التغيير وإعادة البناء بعيداً عن عقد الطائفية والتهميش والارتهان إلى ما وراء الحدود. وحين يتحقق هذا الأمر ضمن وحدة وطنية جامعة تؤمن بالعراق راية وهوية، وتصبح العدالة والمساواة قناعة وممارسة بين أبناء الشعب الواحد، لن يعود الإرهاب، وستكون رسالة إيجابية لكل الدول التي تتخوف من الإرهاب وتخشى امتداده وتهديداته.
مفتاح شعيب
chouaibmeftah@gmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى