مقالات عامة

نكبة جديدة في ذكرى النكبة

كمال بالهادي

في الذكرى السبعين لاغتصاب أرض فلسطين وثالث مقدسات المسلمين، سيتم نقل السفارة الأمريكية للقدس، بعد أن كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد اتخذ قرار نقل السفارة في السادس من ديسمبر/كانون الأول الماضي. تزامن الحدث مع ذكرى النكبة يعني «نكبة جديدة» بالنسبة للفلسطينيين.
الحقيقة أن خطوة تفعيل القرار في ذكرى النكبة لم تكن بالمفاجئة، لأن الرئيس الأمريكي، أثبت أنه لا يقيم أي اعتبار للطرف العربي أو حتى للأطراف الدولية التي كانت مساهمة في ما يعرف بمسيرة السلام. فمنذ أيام قال ترامب إن أعظم قرار اتخذه خلال سنته الأولى هو قرار نقل السفارة إلى القدس المحتلة. وتأكيده على أن تفعيل القرار سيكون في الذكرى السبعين لاغتصاب فلسطين، ليس مجرد قرار اعتباطي، بل هو تثبيت لفكرة ضياع القدس وبقية الأراضي المحتلة. لقد قال ترامب في تصريحات نشرت منذ أيام قليلة، إنه «نجح في إخراج القدس من دائرة المفاوضات»، وتبعات مثل هذا الكلام، أن أي مفاوضات قادمة في أي عملية سلام محتملة لن يطرح فيها موضوع القدس، خاصة أن حكومة الاحتلال قد سارعت، بسن قانون القدس الموحدة والذي يمنع أي حكومة «إسرائيلية» من التفاوض حول مصير القدس، ويشترط عليها الحصول على تصويت ثلثي أعضاء الكنيست، حتى تتفاوض حول أي بند يخص القدس.
رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو قال «هذا القرار سيجعل عيد الاستقلال ال70 لدولة «إسرائيل» احتفالاً أكبر. أشكركم، أيها الرئيس ترامب على قيادتكم وصداقتكم». وأضاف في تدوينة على موقع تويتر«قد أخبرنا خلال نهاية الأسبوع بأن الرئيس ترامب قرر نقل السفارة الأمريكية إلى أورشليم في عيد الاستقلال القادم». مثل هذه التدوينات تكشف أن هناك حراكاً لم ينقطع بين الكيان وبين واشنطن، حول ملف الوعد وتفعيله. وهذا الحراك الدبلوماسي يعطي أكله، في ظرف وجيز، خاصة أن الشخصيات التي دفعت نحو اتخاذ القرار، مثل شيلدون أدلسون وجاريد كوشنر، وغيرهما، هي التي تشرف على إتمام عملية نقل السفارة في ظل غياب أي معارضة حقيقة في الولايات المتحدة أو في إدارة البيت الأبيض للخطوة التي أعلنها الرئيس. لنعترف أن الأخطاء التي ارتكبها العرب في مسار القضية الفلسطينية، كان عصبها الرئيسي هو عدم فاعلية الدبلوماسية العربية في مقابل نفوذ قوي للوبيات اليهودية التي استطاعت أن تتحكم في القرار الأمريكي وتوجّهه كيفما شاءتّ، حتى بلغنا مرحلة ضم القدس عاصمة للاحتلال.
كان العرب يراهنون على هامش من المناورة يمكنهم من تأجيل المواجهة مع أمريكا أو مع الاحتلال، ولكن الواضح أن ترامب سحب البساط من تحت الجميع، ولم يترك أي فرصة للمناورة أو تأجيل المواجهة. ولذلك عندما حانت لحظة الحقيقة، كان الصمت العربي المريب، تجاه أخطر قرار في مسار القضية الفلسطينية. الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط قال نقل السفارة في ذكرى النكبة هو انحياز أمريكي ل«إسرائيل» واستفزاز لمشاعر العرب والمسلمين. كلام لا نختلف فيه، لكن ماذا بعد؟ وماذا فعلت الدبلوماسية العربية وعلى رأسها مؤسسة الجامعة للرد على قرار ترامب؟ منذ سبعين سنة وأمريكا ترفع الفيتو في وجه كل القرارات التي يحاول المجتمع الدولي اتخاذها ضد سلطات الاحتلال. ففي سبعين سنة رفعت أمريكا 43 مرة الفيتو في مجلس الأمن ضد قرارات تدين «إسرائيل» آخرها في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما تقدمت مصر بمشروع قرار لرفض إعلان ترامب حول القدس.
فلا العرب قادرين على المستوى السياسي، على التأثير حتى يتم التراجع عن القرار ولا المنتظم الأممي، قادر على ضمان حق الشعوب في تقرير مصيرها. عندما يلتقي ترامب ونتنياهو في التأكيد على أن القدس قد خرجت من دائرة الصراع و صارت يهودية مئة بالمئة، فهما يدركان أن حال العرب لا يسمح لهم إلا بقبول «نكبة جديدة» في الذكرى السبعين للنكبة الأولى.
صحيح أن حكومة الاحتلال هي في حالة جبروت مطلق، في ظل واقع فلسطيني ممزق ووضع عربي مشتت، تمزقه الصراعات والحروب الأهلية، لكن صوت المقاومة لم يخمد حتى في أحلك سنوات الهزيمة. والشعب الفلسطيني، سيثبت أن إرادته أقوى بكثير من كل الأساطيل. فلسطينيو القدس هم رأس الحربة في مقاومة حلف نتنياهو- ترامب، وهم يعرفون أنّ صمودهم طول سبعة عقود كاملة، دليل على أن روح المقاومة لم تمت. وأن القدس تتطلب التضحية من أجلها بما بقي من جذوة الكرامة.

belhedi18@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى