نموذج لتجسيد التعايش
خيري منصور
سوف يبقى الكلام عن تعايش الأديان والائتلاف البشري تحت سقف سماوي مجرداً ومتكرراً بلا فاعلية؛ إذا لم يتجسد بتجارب ونماذج حية، كما هو الحال في تلك الكنيسة الإسبانية، التي حولها المسلمون عند فتح إسبانيا إلى مسجد، ثم حولها الإسبان بعد سقوط غرناطة إلى كنيسة مرة أخرى، وقد وجد رعاة هذه الكنيسة حلاً ثالثاً غير التداول العقائدي تبعاً للظروف السياسية، وقرروا أن تتسع للمسلمين والمسيحيين معاً؛ بحيث تقام فيها الصلاة في يوم واحد، وتقرع أجراسها ويعلو صوت المؤذن المسلم فيها.
إنها نموذج لتجسيد كل أطروحات التعايش وحوار الأديان؛ لأن المشترك الأبدي وحتى القيامة بين الأديان السماوية هو السلام والمحبة، والتبشير بمستقبل بشري أخضر لا يبقّعه الدم أو تعكره الكراهية. وقد فعل المصريون ذلك مراراً؛ عندما استهدفت كنائسهم ومساجدهم من العدو ذاته، الذي مزج دماء المسلمين والمسيحيين فتحولوا جميعاً ضده في خندق وطني واحد. وهناك أمثلة خالدة في هذا السياق عرفتها مصر في ثورة عام 1919؛ رداً على استراتيجية فرق تسد، التي حاول اللورد كرومر وسلالته الكولونيالية ممارستها في إمبراطورية غابت عنها الشمس!
إن كثيراً من الأفكار والمقاربات النظرية حول التعايش الإنساني والتكامل بدلاً من التآكل تحتاج إلى تجسيد، وصرف ميداني كما فعل رعاة تلك الكنيسة، التي ظل الإيمان فيها قائماً وساطعاً رغم اختلاف العقائد وطقوس العبادة!
وقد أصبح جلياً حتى لمن ضعفت بصائرهم أن التطرف لا يفرق بين عابد وآخر، أو بين معبد وآخر.
لهذا فإن الثقافة المضادة للتعصب والتطرف يجب أن تنتقل من التجريد إلى المحسوس والمتجسد والمرئي بالعين المجردة.
وتعدد أسماء الله في مختلف لغات العالم لم يغير من حقيقة كونه واحداً لا شريك له.