هؤلاء أنصفونا
خيري منصور
الكتابة عن المستشرقين من مختلف الجنسيات في الشرق والغرب باعتبارهم متجانسين في مواقفهم من عالمنا العربي وتراثنا القومي ومجمل قضايانا به تعميم جائر، ولا يمكن وضع المستشرقين الألمان والروس في السلة ذاتها مع الاستشراقيين الأنجلو ساكسونيين والفرانكفونيين، وهذا ما أخذه المفكر الراحل صادق العظم على إدوارد سعيد حين رد على كتابه عن الاستشراق بعد صدوره بكتاب عنوانه «الاستشراق معكوساً»؛ لأن إدوارد سعيد تبعاً لما رآه العظم حكم بالجملة على الاستشراق.
والحقيقة أن إدوارد لم يقع في مثل هذا الخطأ، وكل ما في الأمر أنه اقتصر في أطروحته على الاستشراق الأمريكي والفرنسي.
وعلى سبيل المثال، هناك مستشرقون من الألمان أنصفوا العرب وحضارتهم إلى حد كبير، ومنهم زيغريد هونكة، التي أصدرت كتاباً شهيراً بعنوان «شمس العرب تسطع على الغرب»، وكذلك المستشرق نولدكة، الذي تحمس للشعر العربي إلى الحد الذي جعله يقترح على حكومة بلاده أن تقرر نماذج منه في مدارسها، وقد ذهب «جيته» الألماني إلى ما هو أبعد حين كتب ديوانه الشرقي مستفيداً من التراث العربي.
حتى في فرنسا هناك مستشرقون شذوا عن القاعدة الفرانكفونية، منهم جاك بيرك الذي أطلق عليه لقب «شيخ المستشرقين» وكذلك أندريه مايكل الذي فتن بالأدب العربي وكتب شعراً بالأبجدية.
لكن أغلب المستشرقين كانوا في مواقفهم من حضارتنا على الضفة الأخرى، تحركهم مرجعيات عقائدية، وانحياز قومي وأحياناً كان بعضهم من التابعين للدوائر الرسمية ومؤسسات الدولة، يكون لكتابة التقارير عن عالمنا العربي الأولوية.
وما نخشاه هو أن ما حدث بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول عام 2001 قد أتاح لأصحاب النوايا غير الحسنة الفرصة لتصفية حسابات ثقافية وفكرية وأحياناً قومية مع العالم العربي، لهذا علينا كعرب أن نسعى إلى تبديد الالتباس الذي ساد في أوساط المستشرقين وتبرئة ديننا وثقافتنا مما ينسب إليهما من تطرف!