قضايا ودراسات

هذه الحيرة المزمنة

ابن الديرة
تظل حتى الآن، وهذا مستغرب، حيرة معظم خريجي الثانوية قائمة وهم على مفرق الطرق الأهم في حياتهم: أين يذهبون وماذا يتخصصون؟ وما أشبه اليوم بالبارحة، وكأنه لا حساب أو أثر للتجربة، ولا خبرة تراكمت عبر العقود.
اليوم في الإمارات عشرات الجامعات الوطنية الخاصة المعترف بها، واليوم في الإمارات مئات التخصصات. التكرار هنا يفيد التأكيد، والمؤكد قبل ذاك أن خيارات خريج الثانوية اليوم غيرها بالأمس، ففي تعليم الداخل ما يغني عن الخارج، وبالرغم من ذلك توجد قنوات متعددة نحو الابتعاث إلى الخارج وفي أفضل وأعرق جامعات العالم.
وزارة التربية والتعليم تقوم، مشكورة بدورها في التوعية، فتحث الطلاب على الالتحاق بالبرامج المعتمدة من الوزارة، علماً بأنها تحدث دورياً،
وذلك لضمان تصديقها على الشهادة بعد التخرج، وهو شرط التعيين في المؤسسات الاتحادية والجهات المحلية، إلا أن الشهادات المعتمدة رسمياً هي وحدها الطريق إلى الدراسات الأعلى. وزارة التربية تنظم حملات منتظمة في موقعها الإلكتروني، خصوصاً بعد إعلان نتائج الثانوية، ومن خلال الحملة يتعرف الطلاب وأولياء الأمور إلى الجامعات المعترف بها داخل الدولة وخارجها، مع بيان مفصل لجميع تخصصاتها.
القصد، في المقابل، أن هناك مئات وربما آلاف الجامعات غير معترف بها في مختلف مناطق العالم، وهذه تحذر وزارة التربية منها دائماً، لكن للأسف، يذهب البعض إليها ويتخرجون فيها، وقد ينفقون فيها الجهد والوقت والمال، فلا يعودون بعد ذلك إلاّ بخفّي حنين.
ربما عاد البعض، ولا مبالغة، خالياً حتى من خفّي حنين، ما يشير إلى ضرورة الإرشاد الأكاديمي منذ المراحل الدراسية المبكرة.
وليست الدراسة الجامعية وحدها المتاحة في بلادنا أو في الخارج، وإن كانت الغالبة في الداخل، فهناك أيضاً المعاهد والكليات المتوسطة التي تمنح دبلومات متوسطة، وهذه، للأسف الشديد، غير مرغوبة في الإمارات بالدرجة نفسها، رغم أن الحصول عليها قد يؤدي إلى تعيين أسرع، خصوصاً في التخصصات الفنية والمهنية.
يلاحظ أن ثقافة الاختيار الأصح أو الأسلم مفقودة على نطاق واسع، وفقدانها ينسجم، لا شك، مع عدم وجود خطة أو خريطة واضحة ومعلنة لدى جهات التوظيف، حيث سوق العمل، الكبير، مترامي الأطراف، ذو الخصوصية الإماراتية في الوقت نفسه، بين القطاع الحكومي الذي يشاع، زوراً وبهتاناً، أنه متشبع أو يكاد، والقطاع الخاص الغامض غموضاً بحجم تعدده واتساعه، وبين جهات التوظيف الاتحادية والمحلية، ولكل منها غاياتها وشروطها ومعاييرها.
في المشهد أيضاً المتسربون من المدارس والجامعات، وخريجو الثانوية الذين يعملون مباشرة بعد الثانوية، وهم يشكلون نسبة كبيرة في قوة العمل المواطنة، وهؤلاء يجب ألا يهملوا، فلا بد من إتاحة فرص التدريب والتعليم المستمر. هم في قلب المشهد، فكيف يهملون؟
الموضوع كله، من أوله إلى آخره، مهم، وجدير بأن يكون حاضراً في واجهة الأجندة الوطنية، حتى لا يتحول، كما هو حاصل، إلى قضية موسمية تحضر مع الصيف، وحرارة الصيف، وأمراض الصيف.

ebn-aldeera@alkhaleej.ae

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى