قضايا ودراسات

هستيريا الحرب الثقافية «الإسرائيلية» الجديدة

د. محمد الصياد

في شهر أبريل الماضي، بينما كان البروفيسور والكاتب الأمريكي «ريتشارد أندرسون فولك» في رحلة إلى لندن واسكوتلندا لإلقاء محاضرات في جامعة شرق لندن وجامعة ميدلسكس بشمال لندن والترويج لكتابه الجديد «أفق فلسطين: نحو سلام عادل»، إذا به يفاجأ بإلغاء محاضراته ولقاءاته المتفق عليها سلفاً مع الجامعتين بدواعي أمنية ولحمايته شخصياً من تهديدات خطيرة وصلت لإدارتي الجامعتين إن سُمح للبروفيسور فالك بالتحدث أمام الجمهور.
ما حدث هو قيام ميليشيات صهيونية بتهديد إدارتي الجامعتين من مغبة السماح له بالحديث حول القضية الفلسطينية وحول كتابه الجديد. وقد سبق للبروفيسور فولك أن تعرض خلال إلقاء إحدى محاضراته في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية لمضايقات من قبل شبان صهاينة حضروا خصيصاً للتشويش على المحاضر ورفعوا العلم «الإسرائيلي» وراحوا يصرخون ويرددون كلمات نابية قبل أن يقوم رجال أمن الجامعة بإخراجهم من القاعة. ومع ذلك لم يحدث أن وصل الأمر من قبل لحد إلغاء فعالية من الفعاليات التي شارك فيها البروفيسور طوال حياته الأكاديمية والأدبية. فما حدث في لندن يؤكد تصاعد عدوانية الميليشيات الصهيونية التي تم تشكيلها في مختلف بلدان العالم لمهاجمة النشطاء الذين يسلطون الأضواء على معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال، وعلى جرائم «إسرائيل» ضد أبناء الشعب الفلسطيني.
ليس هذا فحسب، بل إن البروفيسور ريتشارد فولك فوجئ عندما عاد للولايات المتحدة بسيل من التعليقات التسقيطية لكتابه على موقع «فيس بوك».
ففي تنسيق محكم بين تلك الميليشيا الصهيونية البريطانية ونظيرتها في الولايات المتحدة، عمد الفرع الأمريكي لإغراق الموقع الإلكتروني بطوفان من التعليقات الرامية إلى تقليص درجة تصنيف الكتاب إلى أدنى مستوى، ما أقلق الشركة الناشرة للكتاب، فكان أن هبَّ أنصار الكاتب والمتعاطفون مع القضية الفلسطينية، للدفاع عن الكتاب، لإحباط الهجوم الإرهابي الفكري الصهيوني.
وقد اتسع في الآونة الأخيرة نطاق مثل هذه الهجمات التي تعرض لها البروفيسور فولك والممولة من قبل منظمات صهيونية مثل «راقب الأمم المتحدة» (UN Watch)، و«اذهب وارصد»
(Go Monitor)، و«اللجنة الأمريكية «الإسرائيلية» للشؤون العامة – إيباك» (AIPAC). فحادثة التهجم على البروفيسور فولك تزامنت مع صدور تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) التابعة للأمم المتحدة حول فلسطين، والذي وصَّف ممارسات الاحتلال «الإسرائيلي» بالأبارتايد، حيث كان البروفيسور فولك أحد المشاركين في إعداد وإخراج التقرير. وقبل مهاجمته كانت الأمينة العامة التنفيذية السابقة لل «إسكوا»، الاقتصادية الأردنية المعروفة الدكتورة ريما خلف الهنيدي، قد قدمت استقالتها من منصبها بعد صدور التقرير، وذلك تحت ضغط اللوبيات الصهيونية في أمريكا وأوروبا والأمم المتحدة. أما المضحك المبكي فإن الأمم المتحدة التي تخلت عن أحد كبار مسؤوليها (الدكتورة ريما خلف) إرضاءً ل«إسرائيل» ورعاتها، ورضخت لضغوط واشنطن بالامتناع عن تعيين رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض رئيساً لبعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، لم تجد غضاضة في تعيين سفير «إسرائيل» لديها، داني دانون، نائبا لرئيس جمعيتها العامة بدعم من مجموعة الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة!!
لكن اليوم غير الأمس، فرفاهية الدعم الغربي المطلق واللامحدود الذي تمتعت به «إسرائيل» طوال العقود الماضية، لم يعد طريقه سالكاً كما في السابق. ففي عقر دار هذا الغرب، وُلدت حركات نشطة عالية التنظيم والفاعلية مكرسة لفضح «إسرائيل» وممارساتها الأبارتايدية، لعل أبرزها «حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات» ( BDS) التي انطلقت كحملة دولية اقتصادية بدأت في 9 يوليو 2005 بنداء من 171 منظمة فلسطينية غير حكومية، سرعان ما تحولت إلى حركة عالمية تضم اتحادات نقابية ومؤسسات أكاديمية وكنائس ومنظمات مجتمع مدني من كافة بلدان العالم، في عملية بعث متعاظمة الأثر للحركة المناهضة للأبارتايد في جنوب إفريقيا.
بالمناسبة فإن البروفيسور والكاتب الأمريكي فولك يهودي، ومع ذلك فإن هستيريا الحرب الثقافية للميليشيات الصهيونية، لم توفره، وإنما اتهمته بمعاداة السامية وطاولته بتهديداتها التي قد تصل للإيذاء الجسدي.

alsayyadm@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى