قضايا ودراسات

هل تشكل روسيا تهديداً لأمريكا ؟

رونالد ساني

تقول وكالات الاستخبارات الأمريكية – وعددها 17 – إنها تتفق جميعاً على أن الأدلة تظهر أن الحكومة الروسية قرصنت اللجنة الوطنية ( القيادية ) للحزب الديمقراطي، وأطلقت حملة للتأثير في نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية في 2016.
رغم أنه لا توجد أي أدلة فعلية على تواطؤ بين مواطنين أمريكيين وروسيا، إلا أن محاولة الرئيس دونالد ترامب ووزير خارجيته ريكس تيلرسون لتحسين العلاقات مع روسيا تصطدم بعراقيل من داخل أمريكا.
ويبدو أن العراقيل التي يواجهها البيت الأبيض تتزايد، في حين يناقش الكونجرس فرض عقوبات إضافية على روسيا. وحسب استطلاع لمؤسسة «جالوب»، فإن أكثرية من الأمريكيين لديهم نظرة سلبية إزاء روسيا ويعتقدون أنها تشكل تهديداً. وفي كل يوم، يصور المسؤولون ووسائل الإعلام الرئيسية روسيا على أنها تهديد خطر للولايات المتحدة.
وبحكم كوني مراقباً، تابع وكتب بشأن الصعوبات الكبيرة التي واجهها الروس منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، أود أن أعرض نظرة على الوضع العام للعلاقات الأمريكية – الروسية.
إذا كانت روسيا قد تسببت بالتأكيد بمتاعب للولايات المتحدة وأوروبا، إلا أنني أعتقد أنه يجب ألا نعتبر التفاوض والتوصل إلى حلول وسط مع الرئيس فلاديمير بوتين استرضاء. وطوال الحرب الباردة، كنا نتفاوض ونتفق على حلول وسط مع الروس.
واليوم، البلد الأقوى في التاريخ وفي العالم المعاصر، وهو الولايات المتحدة، يواجه خصماً روسياً أضعف بكثير مما كان الاتحاد السوفييتي. إذ إن روسيا تنفق اليوم على الدفاع حوالي 10 % فقط مما تنفقه الولايات المتحدة ( 600 مليار دولار سنوياً ). والولايات المتحدة تنفق على الدفاع أكثر مما تنفقه معاً الدول الثماني التالية الأكثر إنفاقاً على الدفاع. وقبل بضعة أشهر، خفض الرئيس بوتين الإنفاق العسكري الروسي بنسبة 25 %، في حين أن الرئيس ترامب يريد زيادة الإنفاق الدفاعي الأمريكي بأكثر من 54 مليار دولار.
واقتصاد روسيا يبقى أضعف بكثير من اقتصاديات أمريكا، وأوروبا، واليابان والصين. فهو يعادل تقريباً اقتصاد إيطاليا، ولكن يتعين عليه تأمين حياة سكان أكثر عدداً، وحماية أراض أوسع بكثير، إضافة إلى تأمين ميزانيته العسكرية.
صحيح أن قوة أضعف يمكنها مع ذلك مضايقة، وممارسة ضغط على قوة أقوى، وحتى التسبب بأذى لها. ولكن إذا كانت روسيا تملك ترسانة نووية هائلة وقدرات إلكترونية مؤثرة، إلا أن الولايات المتحدة تتفوّق عليها كثيراً من حيث القوة والنفوذ. وقد وصف الرئيس أوباما روسيا بأنها «قوة إقليمية»، في حين اعتبر بوتين أمريكا «قوة عالمية مهيمنة». وكلا الرجلين مصيب في حكمه.
وقد كان بوتين وسلفه الراحل بوريس يلتسين يشتكيان دائماً بشأن توسع حلف الأطلسي نحو أوروبا الشرقية، وحتى إلى بلدان كانت سابقاً جزءاً من الاتحاد السوفييتي. وعبّرت موسكو عن معارضتها لذلك من خلال حربها الخاطفة في 2008 ضد جورجيا، التي كانت تسعى للانضمام إلى حلف الأطلسي. وفي 2014، تصارعت روسيا، وأوروبا، والولايات المتحدة من أجل السيطرة على أوكرانيا – وهذه المرة خسرت روسيا، فردّت بضم شبه جزيرة القرم – ما دفع أوكرانيا إلى أحضان الغرب.
والرئيس بوتين يبالغ أحياناً في رد فعله، كما فعل في القرم، إلا أنه يلعب أوراقه بذكاء، رغم أنها أضعف مقارنة مع أوراق الغرب. ففي سوريا مثلاً، دعم بوتين حكومة بشار الأسد، ليحول دون نجاح الولايات المتحدة في تغيير النظام في سوريا.
إن الأزمات في سوريا، وأوكرانيا وجورجيا، كانت جميعها رداً من قوة لم تعد قوة عظمى. والروس يشعرون اليوم بأنهم مهددون بالتوسع العسكري الغربي باتجاه الشرق. والقوات الأمريكية تجري اليوم بانتظام مناورات عسكرية فيما كان في الماضي الكتلة السوفييتية. وأمريكا نشرت صواريخ في تشيكيا وبولندا.

بروفيسور التاريخ والعلوم السياسية في جامعة ميشيجان – موقع «ذي كونفرسايشن»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى