قضايا ودراسات

هل وصل العراق إلى نهاية حروبه؟

باتريك كوكبيرن*

تسود في بغداد أكثر فأكثر حالة من الثقة بالنفس لم أرها منذ أن زرت العراق لأول مرة في 1977.
في ذلك الحين، كان يبدو أن العراق يتجه نحو مستقبل سلمي، ومزدهر بفضل عوائد البترول المتزايدة. ولم يتضح إلا بعد سنوات عدة أن صدام حسين كان قائداً قاسياً ومتهوراً لديه ميل إلى بدء حروب لا يمكنه الانتصار فيها. وفي ذلك الوقت، كنت أستطيع أن أقود سيارتي بأمان عبر كل أنحاء العراق، وأزور مدناً من الموصل إلى البصرة أصبحت خطرة بشكل مميت في السنوات الأربعين التالية.
واليوم، تعج شوارع العاصمة بأناس يتسوقون، ويأكلون في مطاعم حتى ساعات متأخرة من الليل. وعندما أنظر من نافذة فندقي، أرى لأول مرة منذ سنين عدة أناساً يبنون منشآت ليست بتحصينات عسكرية. ولم تعد هناك سحب دخان أسود ترتفع في الأفق وتدل على انفجار قنابل.
والأهم من كل ذلك هو شعور شعبي بأن الانتصار المزدوج لقوات الأمن العراقية واستعادتها الموصل في يوليو/تموز ثم كركوك في 16 أكتوبر/تشرين الأول قد أعاد ميزان القوة نحو الاستقرار. ورئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي كان يتعرض في السابق لانتقادات باعتباره ضعيفاً ومتردداً، يلقى اليوم إشادات شبه إجماعية لكونه مصمماً وناجحاً في محاربة «داعش» والتصدي للأكراد.
ولكن الحياة في بغداد لا تزال مختلفة عنها في أي مدينة أخرى: ففي كل مكان، تشاهد جدراناً شوهتها انفجارات. ونقاط التفتيش الأمنية العديدة تفاقم زحمة السير المروعة. وتفجيرات «داعش» أصبحت أقل بكثير ما كان يحدث في السابق، ولكن ذكريات فظاعات سابقة لا تزال حية، مثل تفجير شاحنة مفخخة في حي الكرادة في 3 يوليو/تموز 2016 الذي أسفر عن مقتل 323 شخصاً وإصابة مئات آخرين بجروح.
وتنظيم «داعش» لا يزال قادراً على تدبير تفجير بين حين وآخر ليثبت أنه لا يزال موجوداً، ولكن بالرغم من أن هزيمة «داعش» حقيقية، إلا أن أكبر دعم لمعنويات السكان جاء من الانهيار غير المتوقع خلال وقت قصير للدولة الكردية بالأمر الواقع في شمال العراق، والتي كانت تحكم ربع البلاد.
وتاريخ العراق خلال الأربعين سنة الأخيرة مملوء بما كان يوصف خطأ ب«لحظات انعطاف نحو الأفضل»، وهي لحظات كانت في الواقع مؤشرات على بداية مراحل جديدة في الحروب الأهلية العراقية التي بدأت منذ أن أسقط الأمريكيون صدام حسين في 2003.
وطبعا، لا تزال هناك خلافات بين المكونات الرئيسية للمجتمع العراقي.
وقد بدا ذلك واضحاً عندما خرج الحزب الديمقراطي الكردستاني بالفكرة المدهشة التي تمثلت في إجراء استفتاء حول استقلال إقليم كردستان في 25 سبتمبر/أيلول. وكان ذلك أحد أكبر سوء الحسابات في تاريخ العراق، إن لم يكن الشرق الأوسط.
والحزب الديمقراطي الكردستاني يشتكي الآن من انه كان ضحية مكائد إيرانية، ولكن خطأه الحقيقي كان الدخول في مواجهة ضد الحكومة العراقية في وقت أصبحت فيه أقوى من أي وقت مضى، سياسياً وعسكرياً، خصوصاً بعد استعادتها الموصل من «داعش».
والعراقيون في بغداد متحفظون إزاء العودة إلى حياة طبيعية بعد 40 سنة من أزمات متواصلة. ولكن آفاق السلام هي الآن أفضل من أي وقت مضى.
ومن المؤكد أن القوات النظامية العراقية حققت نجاحاً واضحاً، ولكن يبقى هناك خطر واحد، هو أن هذه القوات وحكومة بغداد قد لا تضمن حصول جميع الطوائف بالتساوي على مشاركة في السلطة، وعلى وظائف وأموال لإعادة الإعمار.
وهناك قاعدة ذهبية في السياسات العراقية، هي أن أية من المجموعات الرئيسية الثلاث، السنة والشيعة والأكراد، لا يمكن تهميشها أو سحقها – كما اكتشف ذلك صدام حسين ودفع ثمنه.
إن نهاية حقبة الحروب في العراق لن تكون نبأ طيباً للعراقيين فقط، وإنما أيضا لبقية العالم.

*صحفي إيرلندي خبير في شؤون الشرق الأوسط – موقع «كاونتر بانش»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى