قضايا ودراسات

هل ينجح مثلث «روسيا – الصين – الهند»؟

أليكس غوركا *
تحيي روسيا والهند هذا العام الذكرى الـ 70 لإقامة علاقات دبلوماسية بينهما. هاتان الدولتان مع الصين يمكن أن تلعب دوراً محورياً في تحديد شكل العالم الجديد.
في الأول من يونيو/حزيران، زار رئيس الوزراء الهندي ناراندرا مودي مدينة سانت بطرسبورج للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمشاركة في منتدى سانت بطرسبورج الاقتصادي الدولي.
وهذا خامس اجتماع بين الزعيمين، وهو يأتي في وقت يمر النظام العالمي في تحوّل عميق. وهناك عدة زعماء عالميين يساهمون في تحديد العالم الجديد، ولا شك أن بوتين ومودي هما من ضمنهم، وكذلك الرئيس الصيني شي جينبينغ.
وهناك واقع ثابت، وهو أن روسيا ( الاتحاد السوفييتي ) والهند أقامتا دائماً علاقة وثيقة جداً من التعاون في مختلف المجالات، بما فيها العلاقات العسكرية. وهناك واقع معروف آخر، هو أن أموراً كثيرة كانت تعصف بالعلاقات الثنائية بين الهند والصين.
وقد خاض البلدان حرباً حدودية قصيرة في عام 1962، ومنذ ذلك الحين كان عدم الثقة يلازم علاقاتهما. وفي 1998، وصف وزير الدفاع الهندي آنذاك جورج فرنانديس الصين بأنها «العدو المحتمل رقم واحد». وعقب ذلك مباشرة أجرت الهند جولة ثانية من التجارب النووية. وخلافاً لروسيا، لا تزال الصين تمتنع عن دعم مسعى الهند للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي. وبينما تتوثق علاقات روسيا مع الصين أكثر فأكثر، لا تزال الهند ترتاب بالصين بسبب نزاع حدودي وتنافس على النفوذ في آسيا.
وما يقلق الهند هو احتمال أن تصبح مطوقة من قبل الصين. إذ إن النفوذ الصيني في سريلانكا يزعج نيودلهي، في حين أن الروابط الوثيقة بين الصين وباكستان تثير قلقاً عميقاً لدى الهند، خصوصاً بسبب تنامي التواجد العسكري الصيني في ميناء غوادار الإستراتيجي في شمال غرب باكستان وقاعدة الإمداد العسكرية الصينية في جيبوتي.
وميناء غوادار محاذٍ لمضيق هرمز في الخليج، وهو يربط الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني عبر الجزء الباكستاني من كشمير بإقليم شينجيانغ الصيني. وهذا الامتداد يساعد الصين في حماية شرياناتها البحرية الحيوية. والصين سوف تعتمد على هذا الطريق في حال استخدمت الولايات المتحدة قوتها البحرية من أجل إغلاق مضيق ملقا الحيوي جداً للاقتصاد الصيني.
والهند تعتبر وجود الصين في غوادار تأكيداً لخطط الصين لتطويقها. كما أن الهند تعارض «مبادرة حزام وطريق» الصينية، حيث قاطعت حكومة مودي منتدى مبادرة حزام وطريق الذي نظمته بكين في مايو/أيار.
وفكرة أن تشكل روسيا والصين والهند معاً تحالفاً طرحت لأول مرة في أواخر التسعينات. وقد كان وزير الخارجية الروسي آنذاك يفجيني بريماكوف هو الذي طرح فكرة هذا المثلث الإستراتيجي كثقل موازن للنفوذ الغربي. ورأى بريماكوف أن بناء مثلث روسيا – الصين – الهند في عالم متعدد الأقطاب سيجعل من الممكن حماية الدول الحريصة على استقلاليتها وغير المتحالفة مع الغرب. وتصور بريماكوف هذا هو الذي أدى في النهاية إلى إقامة مجموعة «بريكس»، التي تضم روسيا والصين والهند إلى جانب البرازيل وجنوب إفريقيا.
وبموازاة ذلك، فإن تصور الولايات المتحدة للشرق الأوسط الكبير – من المغرب العربي إلى أفغانستان – يتعارض مع المصالح الهندية. وتشكل منظمة شنغهاي للتعاون، التي تضم روسيا والصين ودول آسيا الوسطى، والتي بدأت كلا الهند وباكستان عملية الانضمام إليها، عامل استقرار في وسط آسيا. كما أن روسيا والصين والهند تتعاون حالياً حول أفغانستان. ومنذ أن تولى الرئيس شي جينبينغ رئاسة الصين، أظهر اهتماماً كبيراً في بناء نظام آسيوي تستبعد منه الولايات المتحدة. وانضمام الهند إلى مثل هذا النظام يمكن أن يساعد في تحقيق هذا الهدف.
وروسيا تدرك أهمية هذا الوضع. وهي لا تملك عصا سحرية لتبديد الشكوك والمخاوف المتبادلة بين الصين والهند، إلا أنها تدفع من أجل انضمام الهند إلى منظمة شنغهاي للتعاون، ما سيمكنها من العمل لإزالة الشكوك المتبادلة بين بكين ونيودلهي.
وروسيا ليس لديها أسباب تدعوها للانحياز إلى أحد طرفي التنازع بين الصين والهند، بل هي تريد علاقات شراكة وثيقة مع كلتيهما. كما أنه ليست هناك من تناقضات جيو – سياسية تمنع تقارباً بين الصين والهند، في حين أن كلاًّ من الصين والهند ترغب في بناء نظام عالمي جديد. وروسيا يمكنها أن تلعب دوراً حيوياً في التقريب بين الصين والهند، حيث إنها تتميز بوضع فريد، هو كونها قوة أوراسية وتتمتع بثقة كل من الهند والصين.

* محلل دفاعي ودبلوماسي – موقع «استراتيجيك كلتشر»

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى