وطأة الاحتلال.. وتركة الانقسام
هاشم عبدالعزيز
بين وطأة الاحتلال الصهيوني، بجرائمه الوحشية وسياسته الاستيطانية التوسعية العنصرية، واستهداف الشعب الفلسطيني تاريخاً، ووجوداً، وحقوقاً، وقضية، وبين تركة الانقسام السياسي بأضراره ومخاطره، بما صاحب هذا الانقسام الساقط على الأرض بين الضفة الغربية وبين قطاع غزة من لعب وتلاعب أطراف إقليمية ودولية على حساب قضية الشعب الفلسطيني في حقوقه، ووحدته، ومصيره، وعلى أمن واستقرار هذه المنطقة بدولها وشعوبها ومصالح عالمنا وتطلعه إلى السلام الدائم القائم على الحل العادل والشامل لعالمنا الإنساني بأسره.. بين هذا وذاك جاءت المبادرة الأخيرة التي أطلقتها مصر لإنهاء الانقسام السياسي بين حركتي «فتح» و«حماس» بنتائجه الكارثية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن ثم توطيد المصالحة الوطنية للخروج من أزمة الانقسام والانتصار للمصالحة الفلسطينية.
في هذا الاتجاه بذلت مصر جهوداً متواصلة جادة وصبورة، ورمت بثقلها لجمع المنقسمين وحملهم على التفاهم لإنهاء الانقسام، وهو ما تم وجرى إعلانه الشهر المنصرم، ومن ثم كانت دعوة مصر للقاء الفلسطيني الذي تم ما بين 21 و23 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي في القاهرة، بمشاركة ثلاثة عشر فصيلاً فلسطينياً، كان أمامها قضايا عدة ترتبط بالمصالحة الوطنية.
في النظرة العامة، فإن ما تحقق في شأن إعلان إنهاء الانقسام هو إنجاز تاريخي يضع نهاية للتداعيات التي شهدها الوضع الفلسطيني خلال عقد الانقسام، لكن المسألة والقضية الجوهرية ما زالت رهن الأخذ والرد، ما يرسم علامات استفهام حول نتائج الاجتماع.
والتأكيد على هذا لا تطرحه المسلمات، بل المستجدات التي من بينها ما يمكن وصفه بالمحاولات المحمومة لعرقلة وإجهاض هذا التوجه المراد له استعادة الفلسطينيين لإرادتهم الحرة، وحقهم وحقوقهم وقضاياهم المصيرية.
في هذا الشأن يمكن الإشارة إلى أن مواجهة الضغوط الخارجية والعرقلة الداخلية برزت إلى السطح، حيث بدا واضحاً أن هناك العديد من التوجهات الإجهاضية لما جرى الاتفاق بشأنه حول إنهاء الانقسام، ومن ذلك:
أولاً: الحملات العدائية التي واجهت اتفاق إنهاء الانقسام الذي جرى بألسنة عدة، ولكنه بلغة واحدة يلتقي على مفرداتها الذين تباكوا على إضاعة «حماس» ورقة «رابحة»، مع أن «حماس» في قرارها إنهاء الانقسام خسرت خطأ الانقسام الذي أدخل القطاع متاهة المشاريع التدميرية للقضية الفلسطينية، والذين حملوا على السلطة الفلسطينية من أنها ترتبط بتوجهات إقليمية هم بالأساس أمام، ووراء ما جرى منذ الانقسام وتداعياته.
ثانياً: عرقلة تنفيذ اتفاق إنهاء الانقسام كانت طاغية على لقاء القاهرة الأخير، وبسببه كانت النتائج أقل من المتوقع وأدى إلى ربط الأمور بلقاء بين «فتح» و«حماس» أوائل الشهر القادم.
هنا يمكن القول إن حملات المواجهة من قبل «إسرائيل»، ومن يرتبط إقليمياً ودولياً بسياساته المعادية للشعب الفلسطيني، لم تكن جديدة ولا غريبة، والأهم من ذلك أن الاحتلال يضع استهداف الفلسطينيين في وحدتهم في أولوياته لأن ذلك هو رهانه في استمرار عربدته، وطغيانه، وجرائمه.
غير أن عرقلة عدم تنفيذ اتفاق إنهاء الانقسام حالها حال ما كانت عليه الاتفاقات السابقة من حيث المصير المحمل بتركة الإنقسام الثقيلة.
إن إنهاء الانقسام لا يمكن أن يكون بمجرد الإعلان عنه، لقد جرت خلال السنوات العشر الماضية من الانقسام مياه آسنة في مجرى العمل الوطني الفلسطيني، من النواحي السياسية، والدعائية، والإدارية، اتسمت بتغليب المصلحة الفصائلية، ما يتطلب من الفصائل، وبخاصة «حماس» القيام بمراجعة فعلية لسياساتها وممارساتها كي يكون انهاء الانقسام فعلياً وليس كلامياً فقط.
قد يرى البعض أن الأمر فيه تحيز ضد «حماس»، ولكن الأمر ليس كذلك إذا ما أخذنا في الاعتبار أن على «حماس» أن تقدم على الخطوات العملية لإنهاء الانقسام، لأن «حماس»هي من باشر الانقسام وعليها أن تعود عنه.
ثم على السلطة التي تسيطر عليها «فتح» أن تقوم بمراجعة حقيقية للمسيرة السياسية التي مارستها في مفاوضات عبثية وبلا طائل مع العدو «الإسرائيلي» على مدى أكثر من عقدين، وأن تكون لديها الجرأة على إعلان فشل هذه المسيرة بما أضر ضرراً فادحاً بالقضية الفلسطينية، بما يعيد الأمور إلى مجال الشراكة الوطنية، وهذه قضية تهم الفصائل والفعاليات الفلسطينية كافة.
في أي حال، إن الطريق إلى تنفيذ اتفاق إنهاء الانقسام غير قابل للأحكام الجاهزة، ولكنه بحاجة إلى القناعة الراسخة والإرادة الواعية التي تغلب المصلحة الوطنية على المصالح الفصائلية.
وما هو جدير بالإشارة، أن طرفي الانقسام وكل الفصائل الفلسطينية الأخرى هي الآن أمام مسؤولية مواجهة تركة الانقسام، ومن دون وعي المسؤولية الوطنية فإن المخاطر ستبقى محدقة، وعرقلة العمل الوطني الفلسطيني سوف تتزايد من أكثر من طرف إقليمي ودولي، إضافة إلى «إسرائيل» طبعاً..
في هذا الشأن الأمر لا يتوقف على تأثير الحملات والإجراءات التصادمية التي شهدتها سنوات الانقسام فقط، بل هناك قضايا موضوعية، منها أن هناك أفراداً وجماعات وجدت في الانقسام فرصتها، وظلت تصب الزيت على النار لأنها تجني مكاسب على حساب الشعب الفلسطيني، حياة، ومعيشة، وقضية.
المدخل إلى هذا الاتجاه يبدأ بالتعامل مع لقاءات «فتح» و«حماس» على أساس انها تأتي في سياق البحث عن أفضل السبل للمضي بإنهاء الانقسام من خلال الوعي بمخاطر استمرار الانقسام وتداعياته الكارثية، وهو ما لم تعد الجماهير الفلسطينية قادرة على تحمله.