وعد ترامب الجديد
يونس السيد
مئة عام بالتمام والكمال تفصل ما بين «وعد بلفور» عام 1917 و«وعد ترامب» الجديد عام 2017، تخللتها حروب وانتفاضات وصراعات مريرة، وسالت خلالها أنهار من الدماء، لم تشفع لرعاة «المشروع الصهيوني» أن يدركوا حقيقة وأصل الأشياء، وهي أن فلسطين وجوهرها القدس ليست نبتاً شيطانياً، وأنها قادرة على النهوض والانتفاض وقلب الطاولة، عندما تمس أقدس أقداسها، مهما كانت التبعات والتضحيات.
إذا استثنينا جنون اللحظة التي وقف فيها ترامب على منبر البيت الأبيض، متحدياً الشرق والغرب، الخصوم والحلفاء، على حد سواء، ليعلن اعترافه بالقدس عاصمة ل«إسرائيل»، ويعطي شارة البدء لنقل سفارته من «تل أبيب» إليها، فإن ما فعله ترامب أعاد الأشياء إلى أصلها الحقيقي، تماماً كما أعاد الصراع إلى مربعه الأول، ناسفاً دفعة واحدة كل الأوهام التي علقت على الحلول والتسويات السياسية، ومعها حيادية الوسيط والراعي الأمريكي لها. بهذا المعنى، فرب ضارة نافعة، ذلك أن الكيان الذي قام عبر الوعود والقرارات الدولية والحماية الغربية، وأصبح مستقبله مرهوناً باستمرار توفر هذه الحماية، يجد الآن نفسه، بالمقابل، عارياً من أي التزامات أو تفاهمات أو اتفاقات، بعد أن وفر «وعد ترامب» الجديد الأرضية اللازمة للتحرر منها، ووضع «إسرائيل» بشكل مباشر في مواجهة مفتوحة بنكهة دينية، هذه المرة، ليس مع الفلسطينيين وحدهم، بل مع العرب والمسلمين، وربما العالم بأسره.
يستطيع الفلسطينيون الآن لملمة جراحهم وتناسي خلافاتهم، بعد أن لم يعد هناك ما يختلفون عليه، وإعادة توحيد صفوفهم للانطلاق مجدداً، على قاعدة مشروعهم الوطني التحرري وجوهره المقاومة؛ لمقارعة الاحتلال بكل السبل والوسائل المتاحة، استناداً إلى خبرتهم الواسعة وإرثهم التاريخي في هذا المجال، خصوصاً بعد أن تحرروا من القيود والأغلال التي كانت تكبلهم طوال السنوات الماضية، بما في ذلك التنسيق الأمني للقيود التي فرضها اتفاق أوسلو، وسواء بقيت السلطة الفلسطينية أو رحلت فإن الحقيقة الماثلة الآن هي أن الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال أصبح في مواجهة سلطات الاحتلال مباشرة بلا مقدمات وبلا رتوش.
وإذا كان ترامب لا يزال يراهن على ترويج «صفقة القرن» مطلع العام المقبل مشفوعة ببعض الفتات والإغراءات، فإن ما بعد «وعد ترامب» ليس كما قبله، وعلى الأرجح أنها لن تجد آذاناً صاغية، على الأقل، لدى الفلسطينيين، الذين يعتقدون أن تجاهل الرئيس الأمريكي المتعمد للتاريخ والجغرافيا ولحقوقهم المشروعة، يخرج خطته أيضاً من دائرة الاهتمام؛ لأنه لم يعد لديهم من خيار سوى النهوض والانتفاض والمقاومة، ولا شيء غير ذلك.
younis898@yahoo.com