«ولكن» النافية لما قبلها
د. حسن مدن
ذات صباح طلب مدير تحرير إحدى الصحف من صحفية تعمل معه أن تلتحق بدورة لتتعلم كيف تصبح «ذات شخصية جذابة».
كانت هذه الدعوة كافية لأن تثير في نفس الصحفية مقادير من الخيبة والإحباط، فطالما كان مديرها يريد إلحاقها بدورة لاكتساب جاذبية الشخصية، فهذا يعني، ببساطة، أنها لا تملك تلك الشخصية، وهو شعور سرعان ما أفصح عن نفسه في علامات الحيرة والذهول التي ارتسمت على وجهها.
كان لا بد من جملة تكميلية لهذا الطلب، كي يتبدد هذا الشعور السلبي، أو بعضه على الأقل، في نفس الصحفية، وهذا ما أدرك مدير التحرير أن عليه أن يفعله، فاستطرد مخاطباً إياها: لا أقصد أنه تنقصك الجاذبية الشخصية، وتحتاجين إلى مساعدة، لكني أريد أن أكلفك بمهمة البحث في مدى إمكانية تعلم القدرة على التأثير والإقناع التي تتحلى بها الشخصية الكاريزمية.
وهذا ما قامت به الصحفية في ما بعد، حيث انطلقت تقابل أشخاصاً ومؤسسات معنية بتطوير مهارات الأفراد في كافة المجالات، وهو أمر سنأتي عليه بشيء من التفصيل في حديث لاحق، لكننا سنكتفي، اليوم، بما قاله لها أول من قابلتهم، وهو عالم نفس شهير اسمه ريتشارد ريد الملقب ب «السيد كاريزما»، نسبة إلى الدورات التي يعقدها بانتظام لتعليم الناس كيف يصبحون ذوي شخصيات جذابة ومؤثرة.
رغم تقييمها الإيجابي لشخصيتها، إلا أن الصحفية حرصت في البدء بسؤاله عن كيف يقيمها هو، وهي في منتهى الشغف لمعرفة ما سيقوله عنها، وبعد قليل من التحديق قال الرجل: «أول انطباعاتي عنك أنك لديك الكثير من الخصال الإيجابية، فلديك طاقة تجذب الناس إليك، وأشعر بنشاط بالقرب منك».
في التعليق على ذلك قالت الصحفية: «فاق هذا الانطباع توقعاتي»، ولكن هذا، فقط قبل أن يباغتها بالكلمة المحيرة: «ولكن»، لتجد نفسها، مرة أخرى، أمام الشحنة الاستدراكية الهائلة التي لهذه الكلمة، التي نقولها بعد أن صرحنا بجملة حاسمة، قاطعة، كافية لأن تترك في نفس من قلناها له مشاعر متناقضة، تبعاً للحال التي تقال فيها، فهي إما تبدد شعوراً جميلاً في النفس أحدثته الجملة الأولى، كما هو في حال الصحفية هذه المرة، حين قال لها عالم النفس: «هذه الطاقة تحتاج أن تُضبط بعض الشيء، لكي تتريث وتتوقف عن الكلام عند الضرورة»، أو بالعكس تبدد شعوراً سلبياً كذاك الذي أوقعه في نفسها طلب مدير التحرير منها بأن تلتحق بدورة تعلمها كيف تصبح شخصية جذابة. تكاد مفردة «ولكن»، وما يقابلها في اللغات الأخرى أن تكون في الكثير من الحالات نافية لما سبقها رغم أنها قد لا تبدو كذلك ظاهراً.
madanbahrain@gmail.com