مقالات عامة

وينفد الوقت في الثرثرة!

عوني صادق

في خطابه أمام أعضاء مجلس الأمن، كرر الرئيس محمود عباس «مقولاته» القديمة، وهو يعرف أن «زمن ترامب» لم يتعامل معها منذ البداية. قال ترامب إن كل الرؤساء الأمريكيين أخطأوا في «مقارباتهم» لحل الصراع في الشرق الأوسط، وإنه وحده يملك مفاتيح السلام وإحلال السلام! ولا بد من التأكيد على أن ما جاء في خطاب عباس لم يكن من قبيل التمسك ب «الثوابت»، بل من قبيل التمسك بالأوهام التي لا يملك يوماً غيرها! وقد جاءت الردود الأمريكية حاسمة في هذا المجال. جوش رافائيل، ناطق باسم البيت الأبيض، قال تعليقاً على خطاب عباس: «كنا نأمل أن نسمع بعض الأفكار الجديدة والبناءة»! وأضاف: «ولكن كما حذرت السفيرة هيلي، فإن وضع نقاط الحديث القديمة والمفاهيم الجامدة لجوهر كل القضايا لن يحقق السلام»! هيلي قالت في الوقت نفسه: الولايات المتحدة مستعدة «لمحادثات سلام» مع الفلسطينيين! مطلوب من الرئيس عباس أن يبصم على «الرؤية الأمريكية» للحل، بلا القدس وبلا المستوطنات وبلا عودة اللاجئين! باختصار تريد الولايات المتحدة أن ينفد وقت الفلسطينيين في الثرثرة، بينما الأمريكيون و«الإسرائيليون» ينفذون مخططاتهم بالكامل!
هنا لا بد من التذكير بأن الإعلان الذي اتخذه الرئيس الأمريكي ترامب الخاص بالقدس «عاصمة لإسرائيل»، وقراره بنقل السفارة الأمريكية إليها، لم يكونا من قبيل «المناورة» أو ممارسة الضغط على السلطة الفلسطينية للعودة إلى طاولة المفاوضات مع الحكومة «الإسرائيلية» كما ظنت السلطة الفلسطينية، بل كانا قرارين للتنفيذ الفوري إن أمكن. وبالرغم من أن ذلك كان واضحاً، فإن البعض أراد أن يقنع نفسه ويقنع غيره بأنهما كانا من قبيل المناورة السياسية، مرفقين ذلك بإظهار الغضب الشديد، بل وإعلان التخلي عن «الوساطة» الأمريكية لما يسمونها «عملية السلام»، وكذلك رفض الرعاية الأمريكية المنفردة للمفاوضات، ليظهر لاحقاً للجميع أن مواقف السلطة الفلسطينية هي التي كانت من قبيل المناورة وليس العكس! لكن ترامب ورموز إدارته لم يتركوا فرصة للتغابي، بل أظهروا تصميمهم الثابت والأكيد على التنفيذ السريع للقرارين، وأنه لم يكن لديهم نية للمناورة. وجاء الإعلان الأخير على لسان المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هايلي، فأكدت أن نقل السفارة سيكون في أيار/مايو المقبل، في ذكرى النكبة الفلسطينية وقيام «الدولة اليهودية»، فكانت كلمة الفصل في الموضوع.
والحقيقة التي أصبحت اليوم ثابتة هي أنه لم يكن في ذهن الزعماء اليهود منذ أيام دافيد بن غوريون و«الوكالة اليهودية»، وقبل قيام «الدولة اليهودية»، القبول بقيام دولة فلسطينية على أي جزء من أرض فلسطين الانتدابية، كما لم يغب عن أذهانهم أو مخططاتهم أن «دويلتهم» يمكن أن تقوم في النهاية على أقل من الأرض التي كانوا يسمونها (أرض «إسرائيل» الكاملة)، والتي تشمل إضافة إلى فلسطين الانتدابية شرق الأردن. لكنهم كانوا يقبلون في كل مرحلة تاريخية ما تسمح به تلك المرحلة، فقبلوا بداية بقرار تقسيم 1947، وعندما أعلن عن قيام «الدولة» في مايو/أيار 1948 تجاوزوا ما أعطاه لهم قرار التقسيم، ثم تمددت الأرض المستولى عليها مع عدوان يونيو/حزيران 1967 إلى 78% من أرض فلسطين، وليصل بعد (اتفاق أوسلو) إلى 85% من الأرض، ولينتهي الأمر اليوم كما نرى إلى اتخاذ الإجراءات وسن القوانين لضم الضفة الغربية كلها!
لقد دأبت الحكومات «الإسرائيلية» دائماً على إظهار جزء من «المخطط الكامل» وبعد أن يتحقق جزء يظهر الجزء التالي وهكذا.. وإن دعوة حزب (الليكود) الأخيرة لعقد مؤتمر طارئ لسن قانون يفرض السيادة «الإسرائيلية» على الضفة الغربية، ليست دعوة جديدة بل هي دعوة تعيد تأكيد ما اعترف به خبراء وكتاب أمريكيون و«إسرائيليون» من أن خطة التفاوض بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» لم تكن وجهة نظر تهدف لرسم حدود بين دولتين، بل لإزالة الدولة الأخرى من الوجود (عاطف الغمري – صراع وجود أم صراع حدود «الخليج» 2018/2/7). ويذكر الغمري أنه سمع ذلك من السفير «الإسرائيلي» في واشنطن، سيمحا دينتز في جلسات المؤتمر الذي عقده معهد واشنطن في منتصف 1998، لتقييم نتائج حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 بمناسبة مرور 25 سنة على الحرب! وذكر الغمري أن دينتز قال بالنص: إن «المشكلة الفلسطينية هي مشكلة تختص بالوجود والتعايش»!
ترامب وإداراته وشلة اليهود المتصهينين من حوله لم يتركوا أي مجال للمناورة أو الهرب من المواجهة، والحل الوحيد في انتفاضة شاملة مستندة إلى الجماهير التي لن تستطيع البقاء في ما بقي لها من أرض إن لم تعلن النفير العام، متجاوزة كل التنظيرات التي لن تسمن ولن تغني من جوع!

awni.sadiq@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى