أبوقراط الإعلاميين

خيري منصور
صدرت في العقود الثلاثة الماضية عدة كتب، وبمختلف اللغات عن الظاهرة، التي أطلق عليها روبرت شيلر «التلاعب بالعقول». وكانت بمثابة الكشف عن الدور الذي تمارسه الميديا المؤدلجة والمسيسة في عالمنا، سواء كان ذلك من خلال الإضافة والحذف، أو الإضاءة والتعتيم لمشاهد لا يتم تقديمها على نحو بانورامي؛ بحيث تكون مرئية من كل الزوايا.
ورغم أن الحقائق تنتصر أخيراً إلا أن حجبها أو التلاعب بحيثياتها ولو لبعض الوقت يترتب عليه الكثير من الخطايا، التي تتحول بمرور الوقت إلى مديونيات أخلاقية قد لا يكفي الاعتذار وحده لسدادها!
وكانت الحرب الفيتنامية النموذج المبكر في القرن الماضي لهواة التلاعب بالعقول؛ لكن ما أحرزته التكنولوجيا من تقدم، خصوصاً في مجال الصورة وضع حداً للتلاعب، وهذا ما كان للكاتب ماكلوهان دور ريادي في إيضاحه حين كتب مقالة عن عولمة الصورة، ودورها كشاهد لصالح الضحية التي كانت فيما مضى تتعرض للتنكيل في صمت وتحت الظلام!
ولحسن الحظ، فإن ما كان حتى الأمس القريب مجرد ملاحظات متفرقة لمراقبين حول دور الميديا في التلاعب بالوعي أصبح الآن أطروحات أكاديمية. تقدم الوثائق والأدلة الميدانية، وقد يؤدي ذلك إلى دفع فقهاء التلاعب بالعقول إلى التريث، وبالتالي الحذر من مواصلة هذا المنهج خشية من ضبطهم متلبسين وافتضاحهم على الملأ!
وربما كانت حرب الخليج الثالثة بالتحديد أبرز النماذج للتلاعب بالرأي العام، خصوصاً حين اعترف الجنرال كولن باول بالخديعة واستقال؛ لكن ما نخشاه هو أن يساهم التطور المتسارع في تقنية الصورة، والكولاج في تلفيق مشاهد يتم انتقاؤها من عدة مصادر ويصل الإتقان في ذلك إلى حد يخدع الرأي العام ولو إلى حين!
وحبذا لو كان للمشتغلين في الإعلام رمز يقسمون به كما يقسم الأطباء بأبوقراط!