أجراس بلا ألسنة

خيري منصور
تماماً كما هي مصدات الصواعق، لابد لهذه المشاهد الدموية، التي تبث عبر مختلف القنوات على مدار الساعة من مصفاة تربوية، أو منهجية تقننها؛ بحيث لا يتم حجبها؛ لكن مراعاة ما ينعكس منها على الأجيال الناشئة، خصوصاً بعد أن توصل باحثون في التربية إلى أن ثقافة العنف تتسلل إلى هذه الأجيال، وقد تثير لديها فضولاً في محاكاتها.
لهذا يجب ألّا تترك لعب الأطفال لتجار هذه السلعة؛ بحيث لا يضبطها شيء، ويتحكم بها معيار الربح فقط، ومن الأبحاث الجديرة بالاحترام، ما قام به تربوي متخصص خلال حروب الخليج من رصد لما يتردد على ألسنة الأطفال من مفردات، ومعظمها مستمد من معجم الحرب؛ بحيث يردد الأطفال أسماء أسلحة، ومصطلحات عسكرية بمعزل عن دلالاتها.
وهناك ما يُسمى الآن في عالم الميديا مراعاة الأجيال ومتطلباتها حتى في البرامج العامة والترفيهية؛ بحيث يكون التوقيت مدروساً فلا يشاهد الصغار ما ينتظره الكبار بشغف.
وأي استخفاف بما يمكن للمشاهد العنيفة أن تؤثر فيه سلبياً على الصغار، تكون له نتائج كارثية حتى لو كان ذلك في المدى غير المنظور.
وما زاد الطين بلة كما يقال هو دور وسائل التواصل بتكرار بث هذه المشاهد، وهناك من يتبارون في تبادلها، وكأن العنف الذي أفرزه الواقع لم يعد كافياً؛ بحيث تضيف أفلام العنف إليه جرعات خيالية، ويبدو أن الرقابة العوراء لا تهتم كثيراً بمشاهد العنف؛ بسبب انصرافها إلى الخطوط الحمر المتعلقة بالتقاليد والجنس والسياسية!
إن تأثير ما يبث الآن قد لا يطفو على السطح سريعاً؛ لكنه على موعد محتم مع المستقبل، الذي قد تتراجع فيه ثقافة الوئام والتعايش لصالح ثقافة مضادة تتأسس على الإقصاء والاحتكار والاستحواذ!
فأية «ديستوبيا» بانتظار هذه الأجيال التي تدفع ثمن أخطاء الكبار وشهوتهم للكسب؟
بالطبع هناك من قرعوا الأجراس؛ لكن ألسنتها على ما يبدو من مطاط!