أرشيف فلسطيني
يوسف أبولوز
هل هي صدفة أم أنه تدبير التاريخ وحتمية تحولاته أن تصادف أمس ذكرى الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت يوم 8/12/1987، عندما أقدم سائق «إسرائيلي» يقود شاحنة على دهس عدد من العمال الفلسطينيين عند حاجز يسمى «إيريز» لتنطلق الشرارة من هناك، وتستمر المواجهات بين «الإسرائيليين» والفلسطينيين مدة خمس سنوات.
سميت تلك الانتفاضة الأولى «انتفاضة الحجارة» التي كان يقذفها في الغالب أطفال فلسطينيون باتجاه الدبابات والمصفحات «الإسرائيلية»، ومن مظاهر تلك الانتفاضة مشهد فتيان وشباب فلسطينيين يلوحون بالمقاليع ويرمون الجيش «الإسرائيلي» بالحجارة ضمن فضاء مفتوح ترتفع فوقه أدخنة الإطارات الكوشوكية المحترقة.
أصبحت هذه الصورة يومية ومتداولة في وسائل الإعلام، ودخلت كلمة «انتفاضة» إلى المقالة الصحفية والقصيدة والكتابة الأدبية، كما دخلت إلى هذه الأدبيات كلمة «حجارة»، أو «الحجر» الذي أخذ بعداً رمزياً وطنياً عند الفلسطينيين، وأصبح طفل الحجارة، آنذاك، معادلاً لمفهوم البطولة والاستشهاد.
يقول أرشيف تلك الانتفاضة التي مرّ عليها أكثر من ثلاثة عقود، واستناداً إلى الموسوعة الإلكترونية الحرة إنه سقط من الفلسطينيين حوالي 1300 شهيد منهم 240 طفلاً، وقام «الإسرائيليون» في ذروة اختناقهم اليومي بالعصيان المدني والتظاهرات بتدمير حوالي 1200 منزل فلسطيني واقتلعوا 140 ألف شجرة.
في إطار الأرشيف الفلسطيني أيضاً اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في 28 سبتمبر عام 2000، وذلك عندما استفز إرئيل شارون المصلين الفلسطينيين بدخوله المسجد الأقصى مع حراسه المسلحين، الأمر الذي أغضب المصلين، فقاموا بالتصدي للجنود والاشتباك معهم لترتفع بعد ذلك وتيرة الانتفاضة الثانية، وتستمر أيضاً إلى خمس سنوات، سقط خلالها، بحسب الموسوعة أيضاً، 4412 شهيداً فلسطينياً، وحوالي 48322 جريحاً، لكن هذه الانتفاضة التي شهدت جانباً فلسطينياً مسلحاً هذه المرة «إضافة إلى رماة الحجارة» سجلت بطولة عظمى لأهل مخيم جنين في الضفة الغربية، فقد قتلوا 58 جندياً من الجيش «الإسرائيلي» وجرحوا 142، وخلال تلك الانتفاضة جرى اغتيال وزير السياحة «الإسرائيلي» آنذاك زئيفي.
نتائج سياسية، واقتصادية، واجتماعية، ونفسية كثيرة ترتبت على الانتفاضتين الفلسطينيتين، ظهرت جماعات وتيارات جديدة، واختفى عدد من الزعامات القيادية، وظهرت مفاهيم ومصطلحات جديدة في المعجم الفلسطيني مثل.. الكفاح المدني أو السلمي، والمفاوضات، والسلام أو ما كان يسمى سلام الشجعان، وظهرت أدبيات فلسطينية ذات دلالات مرّة مثل: من الخندق إلى الفندق، ومن الثورة إلى الثروة. ظهر أيضاً أدب جديد اسمه أدب الانتفاضة، أو أدب الحجارة وظهرت أيضاً فنون أخرى ذات صلة بهذا الأفق الفلسطيني.
اليوم.. هل يدبرّ التاريخ حتمية جديدة في انتفاضة ثالثة؟؟.. الله أعلم..