أزمة إنسانية في غزة

كمال بالهادي
خلاف ما يجري في شمال فلسطين المحتلة، بعد حادثة إسقاط طائرة «إسرائيلية» في منطقة الجليل الأعلى، هناك أزمة إنسانية متصاعدة في قطاع غزة بسبب الحصار المفروض على الفلسطينيين من قبل الاحتلال.
آخر التقارير تشير إلى أنّ 80 في المائة من سكان قطاع غزة يعيشون وضع فقر مدقع. وتتواصل معاناة الفلسطينيين وسط صمت دولي مطبق، رغم مساعي المنظمات الأممية التي تقرع أجراس الإنذار منذ عدة أشهر، لكن دون أي جدوى.
وبين تقرير للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن 57 في المائة من الأسر الفلسطينية يقل دخلها عن خط الفقر الوطني، وترتفع نسبة الفقر بصورة كبيرة في قطاع غزة (نحو 80 في المائة)، وتقل عنها في الضفة الغربية (47.4 في المائة). وذكر التقرير أن متوسط خط الفقر للأسرة في الأراضي الفلسطينية (المؤلفة من ستة أفراد) يقدر ب 712 دولاراً، أما خط الفقر الشديد فيقدر ب 568 دولاراً.
وفي واقع تتنصل فيه حكومة الاحتلال الصهيوني من التزاماتها تجاه الأراضي المحتلة، وفي وقت تعاني فيه السلطة الفلسطينية من شح الموارد المالية ومن تراجع الدعم المالي الدولي لها، يواجه الشعب الفلسطيني أخطر أزمة إنسانية في تاريخه. ويزداد الوضع سوءاً، عندما تتلقى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ضربة قاصمة في شهر يناير الماضي، عندما قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تقليص المساعدات الأمريكية للوكالة بنحو النصف، حيث جرى تقليص المنح من 125 مليون دولار إلى 65 مليون دولار فقط. ما يشير إلى وجود خطر يتهدد وجودها وأن هناك نوايا حقيقية لحل الوكالة، مما يهدد بانفجار الوضع في قطاع غزة.
«إسرائيل»، طالبت أكثر من مرة بحل الوكالة التي تشرف على إغاثة نحو 6 ملايين فلسطيني يعيشون في مخيمات اللاجئين سواء داخل قطاع غزة أو داخل مخيمات اللجوء في كل من الأردن ولبنان وسوريا. وتعتبر أن حل الوكالة هو القرار الصحيح، لأنه سيكون خطوة نحو إغلاق ملف اللاجئين وطمس حق العودة لفلسطينيي الشتات. وأكبر دليل أنه بعد نحو شهر واحد من القرار المشؤوم الذي اتخذه ترامب، وجعل فيه القدس عاصمة لدويلة الاحتلال، اتخذ ترامب واحداً من أخطر القرارات التي تخص الشأن الفلسطيني، والمتمثل في خفض حجم المساعدات لوكالة الأونروا.
واقع الحال، يثبت أن سكان قطاع غزة، قد بلغوا آخر الطريق في معاناتهم، من الحصار والبطالة والفقر ونقص الخدمات مثل الكهرباء والماء، وشبكات التطهير. رئيس الأونروا قال: «إن غزة عادت إلى الوراء ليس إلى العصر الحجري بل إلى ما وراء ذلك». ورغم أنّ الوضع الإنساني بلغ أقصى درجات السوء، إلا أن القطاع الصامد، مازال يرفع شعار المقاومة للاحتلال، حيث بدأت حملة «العودة تجمعنا»، تستقطب المناصرين، وتم نصب خيمة رمزية بالقرب من الخط الأخضر شرقي القطاع، وبالقرب من خطوط التماس مع جنود الاحتلال الذين يسيطرون على أراضي فلسطين المحتلة.
يمكن اعتبار قرار تصفية «وكالة الأونروا»، بحجم جريمة ضد الإنسانية، ترتكبها إدارة ترامب والحكومة «الإسرائيلية»، وهو قرار يرتقي في خطورته إلى إعلان القدس عاصمة للمحتل. ومثل هذه الخطوات هي إعلان حرب مباشر على الشعب الفلسطيني بكل أطيافه. والحرب صارت واضحة المعالم، تهويد القدس وضمها للأبد مع السعي لضم ما يمكن ضمه من أراضي الضفة الغربية، ودفع القطاع إلى الموت جوعاً أمام أنظار العالم. وفي نفس الوقت تتشدق حكومة الاحتلال بكونها ماضية في طريق السلام، ولا نعرف مع من هذا السلام؟ وبأي طرق تريد تطبيقه؟
الحرب المزدوجة على الأرض وعلى البشر، لا طريق لمواجهتها إلا بوحدة مقدسة، ترفع فيها كل الأسلحة، فلا خيار غير المقاومة الشاملة. والعدو لم يتراجع يوماً إلا عندما واجه مقاومة بطولية من شعب لم يقهره الجوع يوماً ولا أخافته أساطيل الغربان.
belhedi18@gmail.com