غير مصنفة

أساطير أمريكية حول الإرهاب

عاصم عبد الخالق

في غمار حربهم ضد الإرهاب، تتلاشى من ذاكرة الأمريكيين حقائق كثيرة يحجبها عنهم ستار كثيف من الأوهام والأساطير والمعلومات المغلوطة، تكاد تشكل وعياً جماعياً زائفاً حول حجم التهديد ومخاطره ومصادره والمشاركين فيه. وجود خطر الإرهاب في أمريكا لا يعني أنه التهديد الأكبر أو التحدي الأخطر الذي يواجهها. ولا يعنى أن ضحاياه أكثر عدداً من غيره من الأخطار، بل العكس هو الصحيح.
هذه الحقيقية المتوارية خلف المغالطات الكثيرة الشائعة تصدى لها كثيرون، وفندناها هنا أكثر من مرة، غير أن هناك عشرات الأوهام الأخرى ما زالت تستلب الوعي الأمريكي، منها أن الإرهاب مرتبط بجنسيات أو معتقدات معينة، ومن ثم يمكن التنبؤ بسهولة بالإرهابيين المحتملين. ومنها أيضاً أن الإرهاب وافد إلى الأراضي الأمريكية وليس صناعة محلية، وأن الحد من المهاجرين واللاجئين يعنى الحد من الخطر المحتمل.
مثل هذه الأوهام، تصدت لها دراسة مهمة ومطولة أصدرتها مؤسسة «راند» الأمريكية البحثية الشهيرة، وصدرت الأسبوع الماضي في كتاب بعنوان «أصول الجهاديين الأمريكيين». الدراسة التي كتبها الباحث بريان مايكل جينكينز توضح بما لا يدع مجالاً للشك أن المشاركين في عمليات إرهابية لم يأتوا من بعيد، ولكن عاش معظمهم في الولايات المتحدة ويحمل جنسيتها إما بحكم ميلاده بها وإما إقامته فيها لمدة طويلة.
ومنذ هجمات 11 سبتمبر 2001 أحبطت السلطات 86 عملية إرهابية، بينما وقعت 22 عملية بالفعل. وفي الحالتين بلغ عدد المتورطين 178 شخصاً ما بين منفذ أو مخطط أو متعاون. ومن بين هؤلاء هناك 86 شخصاً من مواليد الولايات المتحدة و87 عاشوا فيها لفترات طويلة. وهذه الحقيقية تبدد أسطورة الخطر الإرهابي الوافد، وتوضح أن الإرهاب غير مرتبط بجنسية، وأنه بالتالي من الوهم الاعتقاد بإمكانية تقليص هذا الخطر بتقليص أعداد الأجانب الوافدين.
ولمعهد «كاتو» البحثي الشهير دراسة مهمة حول هذه النقطة تحديداً، سبق الإشارة إليها في نفس هذه المساحة، ومما جاء فيها أنه منذ العام 1975 وحتى 2015 لم يقتل أمريكي واحد على يدي مهاجر أو زائر من مواطني الدول الإسلامية السبع التي شملها قرار تقييد الوصول لأمريكا، وهي سوريا والعراق واليمن والصومال وليبيا والسودان وإيران. وأن نسبة قتل المواطن الأمريكي بأيدي مهاجر إلى نسبة مصرعه على يد أحد مواطنيه هي واحد إلى 3.6 مليار.
أسطورة أخرى تصدت لها دراسة «راند» تقول إنه يمكن التنبؤ مبكراً بنزوع الشخص إلى العنف أو الإرهاب، استناداً إلى أصوله أو معتقداته. الدراسة تبين زيف هذا الاعتقاد، مشيرة إلى أن متوسط عمر المشاركين في الإرهاب عندما جاؤوا إلى أمريكا كان 14.9 سنة بينما كان متوسط عمرهم عندما تورطوا بالفعل في الإرهاب هو 27.7 سنة. أي هناك 12 عاماً تقريباً تفصل بين التاريخين، وهي مدة طويلة للغاية تجعل من المستحيل التنبؤ بما سيصبح عليه حال هذا الشخص أو ذاك بعد مضي تلك السنوات.
يرتبط بكل ذلك واحدة من أهم الأساطير المسيطرة على عقول الأمريكيين وهي أن المعتقدات الدينية والأيديولوجيات هي الدافع الأول والرئيسي للإرهاب. يوضح المؤلف أن المعتقدات تلعب بالفعل دوراً مهماً في الجنوح للعنف، ولكنها ليست المكون الوحيد في منظومة الدوافع المحفزة للإرهاب. هناك أسباب كثيرة غير الدين أو المعتقدات تدفع الشباب إلى العنف، منها السخط على المجتمع، والإحباط، والرغبة في الانتقام، والإحساس بالغربة، والظلم، ومشاكل الحياة اليومية وضغوطها، وحتى الإعاقة الذهنية. يحدث هذا مع شباب يعيشون في مجتمع متقدم ومنفتح وغني مثل المجتمع الأمريكي. يحرص المؤلف أخيراً على تذكير قرائه بحقيقة يتناسونها دائماً وهي أنه منذ هجمات سبتمبر وبعد نحو 15 عاماً لم يزد عدد ضحايا الإرهاب في أمريكا على مئة قتيل فقط، مقابل سقوط 11 ألف قتيل سنوياً في حوادث إطلاق نار بأيدي مواطنيهم، وهذه المعلومة الأخيرة لموقع هافينجتون بوست.

assemka15@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى