غير مصنفة

أسقطوا غصن الزّيتون

كمال بالهادي

في تشرين الثّاني من العام 1974، تكلّم الراحل ياسر عرفات لأول مرة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال قولته الشّهيرة «أتيت إلى هنا حاملاً غصن الزيتون بيد وبندقية المقاتل من أجل الحرية في الأخرى، فلا تدعوا غصن الزيتون يسقط من يدي». ومنذ ذلك الوقت والفلسطينيون والعرب من ورائهم، يلوّحون بغصن الزيتون، لكن لا أحد يستجيب لهم.
قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، وضع حداً للمراهنين على مفاوضات السلام باعتبارها الخيار الاستراتيجي الوحيد، الذي سيمكن الفلسطينيين والعرب من استرداد الحقوق المغتصبة، ويحقق السلام الفعلي بين العرب والحركة الصهيونية العالمية، التي تظل» «إسرائيل» مجرد أداة حرب غرستها في المنطقة، ليس لتحقيق السلام، بل لتنفيذ مشاريع استعمارية لم يعد بالإمكان تنفيذها بالصيغة الاستعمارية القديمة. فإذا كانت الأطراف المقابلة هي التي تلقي بغصن الزيتون في سلة المهملات، فلمن يرفعه العرب إذن؟ و لمن يتلون آيات السلام يا ترى؟
الرئيس الأمريكي، الذي لم يشأ أن تنتهي السنة، دون أن يقدم خدمة كبرى للحركة الصهيونية، فبعد وعد بلفور، جاء دور ترامب ليعطيهم القدس العربية، وليتحدى مشاعر أكثر من مليار مسلم، وقد اعترف وزراء الخارجية العرب في بيانهم بأن القرار الأمريكي هو قرار استفزازي، ولكن ماذا بعد؟
الرئيس الأمريكي الحالي لا يمكن أن يكون صديق العرب، فمنذ وصوله للسلطة وهو يستعدي العرب، فأول ما فعله، إصدار قانون يمنع مواطني عدة دول عربية دخول الولايات المتحدة ، وتعهد بطرد كل المهاجرين غير الشرعيين من بلاده، ثم جاء هذا القرار غير المستغرب في واقع الأمر من شخص، لا يكن أي احترام للشعوب العربية، وينظر إليها نظرة احتقار. ترامب ردّ على الغضب الشعبي العربي والاستنكار الرسمي بتدوينة قال فيها «إنّه لم يفعل شيئاً سوى أنه نفّذ وعداً قطعه على نفسه أمام ناخبيه». بمعنى آخر أنّ ترامب لا يضع في حسبانه أي اعتبار للعرب وللمسلمين، ولا ينظر إلا إلى أصحاب الفضل، وهم اللوبيات الصهيونية التي دفعت به إلى كرسي الرئاسة في البيت الأبيض. وعلى القيادات العربية أن تفهم خطوة ترامب فهماً عميقاً وألا تضيّع وقتاً كثيراً في ترديد تمسكها بخيار السلام، لأنّه لا أحد في الواقع بات يصدّق «خرافة السلام»، ولا أحد على الأقل من الطرفين الرئيسيين أي دولة الاحتلال وأمريكا، معنيان بتحقيق السلام، وهما في موقع قوة وغطرسة والعرب في حالة ضعف وهوان غير مسبوقة. الثابت أن بضاعة السلام لم تجد من يشتريها في سوق السياسة الدولية.
محتلّ مستكبر
من يتابع تدوينات قيادة الاحتلال، سيدرك أنّهم غير معنيين بالدعوات العربية لتحقيق السلام، وليسوا في عجلة لبدء مفاوضات الحل النهائي، وهم إن فكروا فيها يوماً، فعلى العرب أن يقبلوا بثلاثة شروط رئيسية، الأول هو التخلي عن حق العودة وقد اقتنع به العرب في المفاوضات السابقة و تنازلوا عن هذا الحق، والثاني هو عدم العودة إلى حدود الرابع من يونيو/حزيران، والثالث وهو الرئيس، التنازل عن القدس عاصمة للدولة الفلسطينية. فعن أي سلام يراهن الفلسطينيون والعرب؟ ولمن يرفعون غصن زيتونهم؟ وهل يمكن لما يسمى مجتمعاً دولياً أن يكون له المقدرة على تغيير هذا الواقع البائس ما لم يغيّره العرب والمسلمون؟
إذا كان هناك اتفاق حاصل على أن السياسة الدولية لا تدار بالمشاعر والأحاسيس، بل بالمصالح، فلماذا لا يضع العرب أوراق قوتهم في الميزان، ويهددون مصالح الأطراف التي تستعديهم، وتغتصب حقوقهم صباحاً ومساء؟ لا أحد يطلب في هذه المرحلة شنّ حروب على «إسرائيل»، فلا أحد في هذه المرحلة قادر على تحمّل تبعات حرب شاملة في المنطقة خصوصاً وأن الكلمة العربية مشتتة، والدّول العربية أنهكها ربيع الخراب ودمرها تدميراً شاملاً، ولكن هناك دول عربية لها وزن اقتصادي وسياسي ثقيل، وهي قادرة على ضرب مصالح القوى العظمى في مقتل متى أرادت. وقد فعلتها الدول العربية في مرات سابقة في عام 1973، و 1981 عندما أجبرت القوى العظمى على التراجع عن قرارات، وفرضت التعامل بتوازن مع القضايا العربية.
التمسك بغصن الزيتون، دون البندقية الوطنية المقاومة للاحتلال، لن يعيد القدس، ولن يمنع العدو من فرض سيطرته المطلقة على المدينة المحتلة. لم يكتف الاحتلال بإسقاط غصن الزيتون فقط، فهم قطعوا شجرة الزيتون من جذورها، وها هم يتأهبون لابتلاع جبل الزيتون برمته هذه المرّة.

belhedi18@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى