أطفال العالم يدفعون ثمن الحروب
ديفيد مورلي *
لم يعد الأطفال مجرد متضررين من الظروف التي تخلقها الحروب والصراعات الحالية، بل باتوا أهدافاً متعمدة فيها.
لعل طبيعة الحرب آخذة في التغير الآن، ولكن القواعد التي تحكمها يجب ألاَّ تفعل. ومع تخلّي الجيوش والميليشيات والجماعات المتمردة في جميع أنحاء العالم، عن تكتيكات الماضي المكلفة، المبنية على الكتائب الضخمة، وتفضيلها تكتيكات اليوم، الأصغر والأقل كلفة وأكثر دهاء، من المهم أكثر من أي وقت مضى، الحفاظ على حقوق الأطفال في الصراع.
في جميع أنحاء العالم، تتعرض قواعد الحرب للهجوم، وكذلك الملايين من الأطفال.
لقد شهدنا منذ زمن طويل، الثمن غير المباشر للصراع الذي يدفعه الأطفال، من خلال سوء التغذية والمرض، والصدمات النفسية. ولكن أطفال اليوم لم يعودوا مجرد مصابين في الحرب، أو ضحايا أبرياء يحاصرهم إطلاق النار؛ بل إن أطفال اليوم يتعرضون للهجوم المباشر. ويجري استهدافهم عمداً، وتشويههم وقتلهم كبيادق في لعبة الكبار.
يعيش 48 مليون طفل حالياً في بلدان متضررة من حالات الطوارئ الإنسانية، وكثير منهم من أهداف خط المواجهة في الصراع. وفي أماكن مثل أفغانستان ونيجيريا وسوريا، ما يزال الأطفال يتعرضون للاغتصاب والاختطاف والهجوم في المستشفيات، ويُستخدمون دروعاً بشرية. وتستخدَم الهجمات على البنية التحتية للمياه، ومرافق الصحة العامة، تكتيكاتٍ للحصار لحرمان الأطفال من الوصول إلى المياه الآمنة، وإرغامهم على الرحيل إلى مناطق خالية منها.
وتستخدَم الهجمات المتعمدة على المدارس، لا لقتل الطلاب وحسب؛ بل لتدمير أنظمة التعليم برمتها. في جنوب السودان، تم قتل أو إصابة أكثر من 2300 طفل منذ اندلاع الصراع عام 2013.
تخيّل الخوف والتشوّش وانعدام الأمن الذي يمسك بتلابيب هؤلاء الأطفال، في انتظار أن تأتيهم المساعدة. ومع محاولة الاستجابة من قِِبل منظمات الإغاثة التي بلغت أقصى قدرتها على الاستجابة، ما يزال كثيرون يعانون بصمت. ولا يمكننا أن نلومهم إذا فقدوا إيمانهم بالعالم.
ومع ذلك، ما يزال لدينا الإطار العالمي اللازم لحمايتهم، فالقانون الإنساني الدولي، ينص بوضوح على أن الأطراف في الصراع، عليها واجب التمييز بين المحاربين والمدنيين.
ويجب عليها تجنب الهجمات التي تسبب أضراراً غير متناسبة للمدنيين. وعليها واجب ضمني لحماية الأطفال. فلماذا يستمرّ الأطفال في دفع الثمن النهائي؟
أطلقت منظمة يونيسيف استغاثة للمساعدة بقيمة 3.6 مليار دولار أمريكي، للوصول إلى الأطفال الذين يعيشون خلال الصراع، والكوارث الطبيعية، وحالات الطوارئ عام 2018. وحوالي 84% (3.015 مليار دولار)، من تلك الاستغاثة، هو من أجل الأطفال المحاصرين بالعنف والصراع.
وفي أوقات الأزمات، تعمل يونيسيف مع الشركاء، لتوفير الوصول سريعاً إلى مياه الشرب المأمونة، وخدمات الصرف الصحي والنظافة الصحية لمنع انتشار المرض. وهذا يمهد السبيل للخدمات الأساسية الأخرى مثل العيادات الصحية، وبرامج التطعيم، والدعم الغذائي والتعليم، في حالات الطوارئ.
وقد بلغت الاحتياجات الإنسانية مستويات حرجة، ولكن المساعدة تتطلب ما هو أكثر من تقديم المعونة الإنسانية، إنها تتطلب جهداً دولياً منسقاً لحماية قواعد وأسس الحرب والدفاع عنها، ومساءلة مَن يزدرونها بشكل سافر. وفي هذا العصر الذي يتسم بالأزمات الممتدة، المستمرة في التعمق والتعقيد، وتمزيق حياة الأطفال، من الضروري بشكل خاص تطبيق المعايير المقبولة دولياً على الصراع. وفِعْلُ خلاف ذلك، سيكون إطالة أمد العواقب غير المقبولة على الأطفال.
قد يكون العالم الآن أكثر انقساماً من أي وقت مضى، ولكن، كما يبين التاريخ، ستظل خلافاتنا قائمة دوماً. وما يجب أن نقف متحدين عليه، هو كيفية حسمها. فهل سنستمر في إلقاء العبء على أضعف الفئات وأكثرها هشاشة؟ أم سنتمسّك بالحدود التي وضعناها لأنفسنا؛ لأننا رأينا عواقب البديل وهي مروّعة؟
إن الهجوم على قواعد الحرب، هجوم على كل مَن يؤمن بحقوق الإنسان، وبالمسؤولية عن عالم أفضل وأكثر سلاماً. وإذا كان المرء لا يؤمن بذلك، فما الذي يقاتل من أجله؟
* الرئيس والمدير التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في كندا موقع: صحيفة: ذي جلوب اند ميل