أعراض الأمية السياسية

خيري منصور
شأن العديد من ظواهر التاريخ وإفرازاته عبر تطوره لم تعد السياسة كما يتصور البعض ممن توقفوا عند تعريفها الكلاسيكي مجرد فن الممكن، أو أنها عقد اجتماعي فقط، أو تختزل إلى مفاهيم كالبرجماتية نسبة إلى برجمانوس أو ميكافيلية نسبة إلى ميكافيلي، لهذا ظهرت في عصرنا دراسات منها ما يتعلق بعلم النفس السياسي أو علم الاجتماع السياسي وأخيراً الإنثربولوجيا السياسية.
وقبل قرن تقريباً ساد تعريف للسياسة خلاصته أنها فقه تطوير الأمم، وليس فقط مناهج الحكم ومفاعيله، وبالتالي تصنيفه إلى ديمقراطي وليبرالي وثيوقراطي وأتوقراطي!
لكن مثل هذه الثقافة التي تعد لأكثر من سبب حديثة لا تزال في النطاق الأكاديمي، ولم تجد من يتعهدون بتبسيطها دون تسطيح لكي تصبح ثقافة شعبية عامة وبمتناول الناس جميعاً!
وما يجري الآن في عالمنا من سجالات حول مفهوم السيادة الوطنية وحدود الحريات، واحتكار الدول الخمس الكبرى لحق النقض أو «الفيتو» غالباً ما يخضع لتوجهات إعلامية مؤدلجة، منها ما يحاول أن يلوي أعناق القوانين الدولية كي تلبي مصالحه بحيث يحق لفلان ما لا يحق لسواه ويتم مثل هذا الاستحقاق بفضل فائض القوة فقط!
ولأن الثقافة السياسة بمعناها الشامل ليست متاحة للجميع فإن التلاعب بالرأي العام يجد له مجالات حيوية. ولو كان الرأي العام على دراية بالسياسة وشعابها بعيداً عن الاختزال الإعلامي، لما تمكن فقهاء التبرير وتمرير المواقف والقرارات ممارسة هذا النفوذ!
والأمية السياسية هي المطلب النموذجي لمن يتلاعبون بالعقول أو يحوّلون الفسيخ المالح والجاف إلى شراب عذب كما يقول مثل عربي!
والكتب التي تصدر في علم النفس السياسي أو علم الاجتماع السياسي سواء كانت مؤلفة بالعربية أو مترجمة تحتاج إلى من يوصلها إلى المتلقي، وتلعب النخب دوراً في هذا الإيصال، لأنها كما يصفها أحد المتخصصين في هذا المجال الجسر أو القنطرة بين المرسل والمرسل إليه. فالسياسة علم غادر جذره ومعناه الاشتقاقي في اللغة العربية وشملت كل مناحي وأبعاد حياتنا.