أم كلثوم الصغيرة
مارلين سلوم
بسملة كمال، ابنة العشرة أعوام التي كانت حتى أيام قليلة ماضية مجهولة، كتب لها القدر أن تخرج إلى الأضواء وتشتهر ليس بمجهود منها، وإنما بالصدفة وبفعل التواصل الاجتماعي. لم تكن تعلم أن رحيل أبيها قبل نحو ثلاثة أشهر، وهو الذي كان يرعى موهبتها ويضعها على الطريق الصحيح، لن يكون النهاية الحزينة، بل شاء الله أن يعوّضها برعاية أكبر، وشهرة تخطت حدود بيتها ومعارفها، وتخطت حدود وطنها مصر، لتصل إلى كل العالم العربي بسرعة البرق.
بسملة صاحبة الصوت الكلثومي، أبهرت رواد مواقع التواصل الاجتماعي بعد انتشار مقطع لها مؤدية «حب إيه» لكوكب الشرق، دون أن يعرف أحد هويتها أو أي شيء عنها. إنما من إيجابيات التواصل الاجتماعي، أنه يقدّم النماذج الجيدة أحياناً؛ وتفاعل الناس وشدة إعجابهم بهذا الصوت المخملي الرائع، دفعهم للبحث عن «أم كلثوم الصغيرة»، كما أطلقوا عليها، وتصدّرت «التراند» المصري. هي لم تسعَ إلى الشهرة، ولم تفعل أي مجهود كي تصل إلينا، لكن موهبتها فرضت نفسها، وجعلتنا نسمع الأغنية مراراً وتكراراً.
ابنة منطقة «الوراق»، تلميذة بالصف الخامس، تغنّي ضمن كورال الهيئة الوطنية للإعلام. سبق أن تم تصويرها بأكثر من فيديو وهي تغني، إلاّ أن هذا المقطع من «حب إيه» على التواصل الاجتماعي، جعلها تصير «أم كلثوم الصغيرة»، وبإمكانها أن تصير نجمة في سماء الأغنية العربية، إذا وجدت من يرعى موهبتها فعلاً، وإذا توفرت لها كل المعطيات والأجواء التي توفرت لكوكب الشرق من قبل، وأبرزها العمل مع أشهر الشعراء، والملحنين، وكل الداعمين للفن الأصيل، بعيداً عن صنّاع الأغنية المتلهفين للإنتاج بأي شكل وثمن، معتمدين الاستسهال والمؤثرات الصوتية وأغاني «التيك أواي».
هذا الانتشار «العفوي» والنجاح الذي تحقّق للطفلة بسملة، وتولّي الناس بأنفسهم مهمة نشر الفيديو، وبحثهم عنها، خير دليل على أننا نحتاج إلى هذه النوعية من الغناء والأصوات، وأن الأجيال الجديدة أيضاً قادرة على التمييز بين الغث والسمين، وتنجذب لكل ما هو جميل. التجربة تؤكد أننا نشتاق للأصالة في مختلف ألوان الفنون، وخصوصاً الكلمة الجميلة والعمق في معانيها ومفرداتها، وفي الألحان والجملة الموسيقية بعيداً عن «القرقعة» التي نسمعها وتسبب توتراً للأعصاب.
بسملة، التي فُتحت أمامها أبواب الشهرة، وفتحت هي أعيننا على موهبتها وأهمية بحثنا عن إعادة إحياء التراث الفني من خلال الموهوبين الصغار، تحتاج إلى من يتبنّاها فنيّاً لتحلّق عالياً في سماء الأغنية العربية، وهي قادرة على الوصول إلى العالمية أيضاً.
marlynsalloum@gmail.com