أوروبا تلقي عبء الدفاع على أمريكا
دوج باندو*
قبل ثلاث سنوات سحبت الولايات المتحدة وحداتها القتالية من أوروبا، ولكنها أخذت تعيدها الآن بينما تتزايد التوترات مع روسيا. وحسب الجنرال الأمريكي تيموثي دوهيرتي، فإن «الاستعداد لحرب أرخص بكثير من خوض حرب».
لكن لماذا ليست أوروبا هي التي تقوم بالاستعدادات وتدفع تكاليفها؟.
خلال الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة تنشر حوالي 300 ألف جندي في أوروبا. وهذا الرقم انخفض الآن إلى 65 ألفاً، ومع ذلك فإنه رقم كبير: أوروبا كان يجب أن تتولى الدفاع عن نفسها منذ وقت طويل. ولكن حلف الأطلسي أخذ يتوسع حتى حدود روسيا. وخلال هذه العملية، عملت الولايات المتحدة وأوروبا من أجل تفكيك صربيا، من دون اعتبارات تذكر لمصالح روسيا التاريخية في البلقان.
وخلال حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية في 2016، انتقد المرشح دونالد ترامب، تحمل الولايات المتحدة العبء الأكبر من الدفاع عن أوروبا. ولكن منذ توليه الرئاسة، عزا لنفسه الفضل في زيادات طفيفة في الإنفاق الدفاعي الأوروبي، ولكنه واصل التضحية بمصالح أمريكا من أجل مصلحة البلدان الأوروبية، التي تفضل إلقاء عبء الدفاع عنها على الولايات المتحدة.
كثيرون في أوروبا لا يعتقدون أن القارة معرضة لخطر أمني جدي، حيث قلائل فقط لا يزالون يتصورون روسيا قادرة على اجتياح أوروبا، والتفكير السائد في أوروبا اليوم هو ترك أمريكا تتحمل فاتورة الدفاع عن القارة.
ولكن لماذا يبقى صانعو السياسة في واشنطن، وخصوصاً الرئيس ترامب، مستعدين لأن تتحمل أمريكا العبء؟.
اليوم، روسيا لم تعد تشكل ذلك التهديد الخطير الذي كان يمثله الاتحاد السوفييتي. ومع أن روسيا أعادت بناء قواتها المسلحة عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، إلا أنها تبقى قوة عسكرية إقليمية وليست قوة عالمية. ولا شيء يوحي بأن الرئيس فلاديمير بوتين، لديه أدنى اهتمام بمجابهة مع أمريكا.
علاوة على ذلك، الولايات المتحدة وروسيا ليستا مختلفتين حول مصالح حيوية، وبدلاً من ذلك، تصطدم الحكومتان حول أزمات في أماكن بعيدة مثل سوريا. ومع ذلك، الولايات المتحدة تعيد قوات كبيرة إلى أوروبا. وقال رئيس الأركان الأمريكي الجنرال مارك ميلاي: «نحن، الجيش الأمريكي، نعتقد أن الحاجة تدعو إلى قدرات إضافية من أجل ردع روسيا».
ولكن ماذا يفعل الأوروبيون بشأن روسيا؟. حسناً، إنهم منشغلون بقضايا أخرى، أو ربما أنهم يشعرون بالاطمئنان لأن أمريكا تتولى الدفاع عنهم.
وعلى سبيل المثال، يمكننا الافتراض بأن أحداً في ألمانيا لا يتوقع أن يخوض الجيش الألماني حرباً؛ بل إن الألمان يمازحون بالقول إن دور جيشهم هو وقف الروس، إلى أن تصل القوات العسكرية الحقيقية (الأمريكية). أما احتمال أن يرسل الألمان جيشهم للدفاع عن دول البلطيق، أو بولندا، أو أي دولة أخرى في أوروبا الشرقية، فهو ضئيل، إن لم يكن معدوماً.
وهذا وضع لا يقتصر على ألمانيا وحدها، بل إن جميع الدول الأوروبية تتخذ عملياً موقفاً مماثلاً.
والمشكلة ليست عدم توفر إمكانات وموارد. فالدول الأوروبية لديها مجتمعة سكان أكثر عدداً من سكان أمريكا، واقتصاد يعادل الاقتصاد الأمريكي، وقوة أوروبا العسكرية قد لا تعادل قوة أمريكا، إلا أن الأوروبيين ليسوا عاجزين.
وبعد أكثر من سبعة عقود على نهاية الحرب العالمية الثانية، أعاد الأوروبيون الغربيون بناء اقتصاداتهم وتعزيزها، وأسقطوا الأنظمة الشيوعية، وأدمجوا دول وسط وشرقي أوروبا في المشروع الأوروبي. وهم مجتمعون متفوقون على ما تبقى من قوة الاتحاد السوفياتي.
أما بالنسبة للولايات المتحدة، فهي مفلسة عملياً، حيث ستواجه في السنوات المقبلة عجزاً مالياً يبلغ تريليونات الدولارات. ومع ذلك، يرفض الكونجرس اتخاذ قرارات حازمة، علماً بأن السياسة الخارجية الأمريكية مكلفة جداً.
والأوروبيون لن يتوقفوا أبداً عن دعوة الولايات المتحدة إلى زيادة التزاماتها العسكرية. ولكن المسؤولين الأمريكيين يمكنهم التوقف عن دفع التكاليف. وينبغي أن تبقى الولايات المتحدة في حلف الأطلسي وتحالفات أخرى، ولكن فقط طالما أن هذه الالتزامات تخدم المصالح الأمنية الأمريكية، والدفاع عن بلدان قادرة على أن تدافع عن نفسها بنفسها لا يدعم هذه المصالح.
*باحث في معهد كاتو للدراسات في واشنطن
موقع: ذا ناشيونال إنترست