أوروبا وحقوق إفريقيا
مفتاح شعيب
القمة الإفريقية – الأوروبية في ساحل العاج، مناسبة خامسة يلتقي فيها زعماء القارتين للبحث في القضايا المشتركة والعمل على تقريب وجهات النظر، ووضع استراتيجيات تتواءم مع مقتضيات العلاقة التاريخية بين الطرفين، في ظرف تتراكم فيه الصعوبات والخلافات، ويحتاج إلى رؤى مشتركة، لتأمين استمرارية العلاقة وتميّزها في شتى المجالات.
القوى الأوروبية، وفي صدارتها فرنسا، ما زالت ترى في القارة الإفريقية ساحتها الأثيرة، على الرغم من أن كثيراً من المستجدات تحاول تهشيم تلك المعادلة. فلم يعد خافياً أن الدور الأوروبي يتراجع في إفريقيا لصالح قوى دولية أخرى، أهمها الصين التي أصبحت في زمن قياسي الشريكة الأولى للأفارقة، بسبب سياساتها الناعمة القائمة على السخاء في تقديم المساعدات وعدم التدخل الفج في الشؤون الداخلية للدول الصغيرة، مثلما يفعل «المستعمرون القدامى» الذين ما زالوا يعتقدون أن لديهم «خصوصية تاريخية»، بينما اعتمدت الصين مقاربة «جريئة»، بحسب بعض المراقبين، سمح لها أن تأتي من أقصى الأرض لتصبح حاضرة في كل بلد إفريقي تقريباً، بالتوازي مع الدول الأوروبية مجتمعة، بل وتتفوّق عليها في أغلب الأحيان.
لقد تراجعت أوروبا كثيراً في إفريقيا، لأنها لم تخرج عن علاقات الهيمنة الموروثة عن الاستعمار. ولم تواكب انفتاح الأفارقة على بقية العالم، مما أوجد لهم البدائل بما يساعدهم على التغيير وتلبية المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتعلقة أساساً بالتنمية وتحسين الفرص المستقبلية للشباب، وإحلال السلام والاستقرار في كثير من ربوع القارة. ورغم ذلك ما زالت الفرصة لم تفت على الأوروبيين إذا قرأوا الواقع الإفريقي قراءة جيدة، واعترفوا بأخطاء منهاج التعامل الذي اعتمدوه لعقود طويلة. وإذا تم تصحيح العلاقة وإعادة بنائها على فلسفة جديدة، فستكون الفائدة عامة وطويلة الأمد. ومن يقول إن إفريقيا هي «قارة المستقبل» لم يجانب الحقيقة، فهذه الرقعة من الأرض هي ثانية قارات العالم مساحة وتزخر بموارد طبيعية هائلة، ولكنها الأكثر فقراً وتخلّفاً عن القارات الأخرى. ولأنها تضم نحو مليار ونصف المليار إنسان، أغلبيتهم الساحقة من الشباب، فهي سوق واعدة وغير محدودة. وبقطع النظر عن سوء استثمار الإمكانات وتواضع مستويات التعليم، هناك وعي متنامٍ لدى قيادات القارة بأنهم يستحقّون أوضاعاً أفضل ويريدون من بقية العالم أن تساعدهم على تحقيق هذه الأهداف دون جور أو هيمنة.
في الطرف المقابل، يبدو أن القيادات الأوروبية الجديدة بدأت تستوعب الدرس، وخير من يعبّر عن هذا التوجه، هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يقود توجهاً يحاول الاعتذار عن الماضي الاستعماري. فقد أكد، في جامعة واغادوغو أن «جرائم الاستعمار الأوروبي لا جدال فيها». كما اعترف بأن إفريقيا «تلتقي فيها كافة التحديات المعاصرة»، وهو ما يستوجب رؤية بين القارتين، تنقل علاقتهما إلى وضع «أكثر سعادة». ولم يخف خطاب الرئيس الفرنسي رغبة بلاده في أن تظل صاحبة الصدارة في التعامل مع إفريقيا، على الرغم من أن ذلك لن يكون مجاناً، إذ عليها أن تبدي الكثير من التنازل والتواضع والاعتراف بحقوق الأفارقة.
المهم بالنسبة إلى المستقبل أن تحمل قمة أبيدجان استراتيجية إفريقية – أوروبية جديدة، وهو أمر ليس مستحيلاً إذا تم الأخذ في الحسبان العلاقة التاريخية بين القارتين، وهي علاقة ظلّت عمودية لنحو خمسة قرون. أما اليوم، وبالنظر إلى التغيرات الدولية العديدة، أصبح التصحيح لزاماً لبناء علاقة أفقية تقوم على حفظ المصالح والشراكة المتكافئة والقطع مع الماضي، وطي صفحاته إلى الأبد.
chouaibmeftah@gmail.com