أوروبا ومحن المهاجرين
مفتاح شعيب
تثير أوضاع المهاجرين في ليبيا المزيد من اللغط بعد التقارير الصادمة عن وجود أسواق لبيع بعضهم. وقد صدمت مشاهد مسربة، تنافي الأخلاق ومنطق العصر، الضمير الإنساني ودفعته إلى محاولة التحرك، وسارعت دول إفريقية إلى استعادة عدد من رعاياها، وتعهدت حكومة الوفاق الوطني في طرابلس بدحض المزاعم والتزمت بالتحقيق، كما طلبت مساعدة لمحاصرة الظاهرة، والعار الذي سببته للمجتمع الدولي.
وبعد أيام قليلة من الوقائع الصادمة، اتهمت منظمة العفو الدولية حكومات أوروبية بأنها متواطئة في تعذيب وانتهاكات ضد لاجئين ومهاجرين في ليبيا، وبلغ الاتهام درجة الإشارة إلى حكومات أوروبية بالتواطؤ مع ميليشيات، ومهربي بشر عبر الحدود الليبية، ما يجعل تلك الحكومات، بحسب المنظمة، شريكة في الانتهاكات، رغم أن هذا الاتهام قد يكون مبالغاً فيه ويحتاج إلى أدلة، ولكنه يسلط الضوء من زاوية أخرى على المعاناة الرهيبة التي يواجهها المهاجرون واللاجئون الذين يقودهم الحظ السيئ إلى ليبيا. والحديث عن الفوضى وغياب الدولة في ذلك البلد المنكوب، لا يبرئ الدول الأوروبية بأسرها من المسؤولية، فباعتبارها جزءاً أصيلاً من صناعة القرار الدولي، كان عليها أن تتحرك مبكراً وتحول دون أن يتعرض عشرات الآلاف من الناس للتعذيب، وأعمال السخرة، والابتزاز، والقتل غير القانوني، في معسكرات هي «أشبه بالجحيم أو أسوأ». وهذه الأوضاع كانت معلومة ولم تكن بحاجة إلى المشاهد المهربة من أحد المعسكرات لتتملك الغيرة المجتمع الدولي على الإنسانية التي تتعرض للإذلال، والإهانة، والتنكيل بأقبح الوسائل.
الخطير في المزاعم التي تسوقها بعض المنظمات في اتهاماتها، أن استغلال المهاجرين في ليبيا أصبح ظاهرة واسعة تدار من جماعات متنفذة، كما أنها تعتمد على وسائط عدة. وفي غمرة هذا الجدل، كشفت المنظمة الدولية للهجرة أن مهربي البشر يستغلون منصات التواصل الاجتماعي حول العالم في الترويج إلى أعمالهم، وبهدف استقطاب مزيد من الضحايا من الذين يجري تضليلهم للسفر من السواحل الليبية إلى الجزر الإيطالية، وحذرت المنظمة من أن الترويج يتم عبر تطبيقات «فايبر» و«واتساب» بنشر أرقام المهربين ليتم الاتصال بهم، وهذا واحد من المظاهر الصريحة على أن عمليات تهريب البشر في ليبيا جريمة منظمة، تتوفر فيها كل شروط انتهاك القوانين. وحين يتم هذا الأمر عبر «وسائل الإعلام»، فستكون مسؤولية الحكومات المسؤولة أكثر حرجاً لأنها لم تقم بواجبها لتقصي طرق المهربين، وأساليبهم. ومن هذا الجانب، يجد اتهام الحكومة الأوروبية بالتقاعس حيال المهاجرين وجاهته، ويضعها تحت طائلة النقد والمساءلة.
المؤكد أن محن المهاجرين في ليبيا تتجاوز التصدي لها طاقة السلطات المسؤولة في البلد، فبعد حالة الفوضى القاهرة التي سادت منذ إسقاط النظام السابق لم تستطع كل المبادرات الأممية أن تحدث الاختراق المطلوب، رغم تعدد المداخل إلى الأزمة. ولكن يتضح أن الدول الأوروبية، خصوصاً، لا ترى في الوضع إلا المخاطر التي تهدد مصالحها. ومثلما يتضح أنها ربما لجأت إلى طرق غير مشروعة في مواجهة تدفق المهاجرين، يمكن أن تعتمد الأساليب نفسها للتصدي لتسلل الجماعات الإرهابية. وفي كلتا الحالين ستفقد مقاربتها أهدافها الفعلية، طالما أن جوهر المشكلة، وهو إعادة الإعمار والأمن والاستقرار إلى ليبيا، لم تتم بالصورة المطلوبة والمؤثرة.
chouaibmeftah@gmail.com