أوسلو والسلطة والاحتلال
يونس السيد
ما قاله الرئيس محمود عباس بفم ملآن أمام مجلس الأمن، وهو يعرض خطة السلطة الفلسطينية للتسوية، إن السلطة أصبحت بلا سلطة، وإن موظفيها قد تحولوا إلى موظفين لدى الاحتلال، يلخص الحالة التي وصل إليها الفلسطينيون خلال الفترة الممتدة منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 وحتى الآن.
ما قاله الرئيس عباس ليس جديداً، فقد كان واضحاً لعامة الشعب الفلسطيني قبل النخب من سياسيين ومثقفين، وقيل وكُتب عنه الكثير، لكن السلطة لم تشأ الاعتراف بهذه الحقيقة إلا مؤخراً، وإن كانت تدرك في قرارة نفسها أنها لم تكن يوماً أكثر من سلطة تحت الاحتلال.
قبل أيام، خرج القيادي الفلسطيني المعروف جيداً صائب عريقات بتصريح قال فيه إن الرئيس الحقيقي للشعب الفلسطيني هو وزير الحرب «الإسرائيلي» أفيجدور ليبرمان، أما رئيس الوزراء الفلسطيني فهو المنسق بولي مردخاي، وهذا بحد ذاته ليس سوى تعبير صارخ عما وصلت إليه الحالة الفلسطينية من يأس وانغلاق في الأفق السياسي، وتلاشي كل الرهانات على التسوية، خصوصاً بعد قرارات إدارة ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل» ونقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إليها. ولكن بمعزل عن الظروف والتطورات الإقليمية والدولية، ما الذي أوصل الحالة الفلسطينية إلى ما هي عليه الآن؟ وهل كان اتفاق أوسلو وحده سبباً في الوصول إلى هذه الحالة، أم إن هناك أسباباً أخرى؟
بعد نحو ربع قرن على توقيعه، بدأت عورات اتفاق أوسلو المستترة تظهر على السطح، ومن الواضح أن هذا الاتفاق أصلاً لم يعط الحق للسلطة في ممارسة سلطتها أو يتيح لها أي نوع من الاستقلالية حتى في تقديم خدماتها بمعزل عن موافقة الاحتلال، ناهيك عن فشله في حل أي من قضايا الوضع النهائي كالقدس والحدود واللاجئين وغيرها. والأسوأ من ذلك، أن وهم مشروع الدولة الذي تبنته السلطة جاء على حساب المشروع الوطني التحرري وعماده المقاومة والكفاح المسلح، وهو حق مشروع بالنسبة للشعوب المحتلة، كفلته كل القوانين والشرائع الدولية، وفي حالات كثيرة عملت السلطة وأجهزتها الأمنية على إجهاض أي حراك شعبي أو انتفاضة جماهيرية ضد الاحتلال بناء على التنسيق الأمني، وعلى رهانات واهية حول استئناف مفاوضات التسوية.
ما قاله عباس وقبله عريقات ليس جديداً، سوى أنه جاء اعترافاً صريحاً من أعلى هرم السلطة، فهل تعيد القيادة الفلسطينية حساباتها بعد أن اصطدمت ب«صفقة القرن»، أو تعيد الاعتبار للمشروع الوطني التحرري، خصوصاً بعد أن رفضت واشنطن و«تل أبيب» خطة التسوية الفلسطينية؟
younis898@yahoo.com