مقالات عامة

أيّامُهُنّ

خيري منصور

لم يجد طه حسين عميد الأدب العربي الذي ترك لقبه شاغراً بعد عقود من رحيله، أفضل من «الأيام» عنواناً لمذكراته، فالعمر في نهاية المطاف هو أيام قبل أن يكون شهوراً أو أعواماً. وإذا كان للذكور العرب، الحق في رواية أيامهم، فإن المرأة بقيت لزمن طويل محرومة من هذا الحق، رغم أن أيامها أطول وكذلك لياليها التي تسهر فيها على أطفالها إذا مرضوا أو خافوا.
وفي كل عام عندما يمر يوم المرأة في شهر مارس/آذار، الذي يتسلل فيه الدفء إلى الأرض وتنشر أسرارها، نشعر كآباء وأبناء وأزواج أيضاً بشيء من التقصير إزاء هذا الكائن الذي لولاه لما كنا في هذا العالم.
ونشعر برغبة عميقة في الاعتذار لتاء التأنيث ونون النسوة؛ لأن ما كابدته المرأة لأكثر من ستة آلاف عام يستحق الاعتذار من كل ذكور هذا الكون!
إن من حق المرأة أن يكون لها أيام وليس يوماً واحداً؛ لأنها متعددة في تجليات وجودها أماً وابنة وأختاً وزوجة وزميلة. ولحسن الحظ، فإن استرداد المرأة العربية لبعض حقوقها وليس لكل استحقاقاتها، يخلق شيئاً من التوازن للرجل الذي يحمل ذاكرة آثمة إزاء المرأة. ففي بعض البلدان العربية تبوأت مواقع كانت حكراً على الرجال، وهناك من تفوقن وساهمن بإبداعاتهن في مختلف أنشطة الحياة.
وقد تكون المرأة جديرة بباقة ورد أو انحناءة خصوصاً إذا كانت أماً، لكنها تحتاج إلى ما هو أكثر من هذا الطقس الاحتفائي، ومما تحتاجه الاعتراف والعرفان معاً.
وتحرير الذهنية الذكورية من مرضها المزمن، وهو التعالي ووهم التفوق، فالمرأة كما قال الشاعر أراغون الذي كتب سفراً خالداً في العشق عن إلزا، مستفيداً من تراث الحب عند العرب هي مستقبل الإنسان، لأن الأنوثة التي كانت على الدوام قاسماً مشتركاً بين الطبيعة والمرأة، هي توأم السلام والحرية والتعايش الحميم!
وكم كانت أيامهن أقسى من أيامنا ولياليهن أطول من ليالينا، لهذا نضيف إلى باقة الورد اعتذاراً ذكورياً بالنيابة عن أجدادنا.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى