إثيوبيا.. بعد ديالسين
فتح العليم الفكي
لا أحد يستطيع أن ينكر ما حققه الاقتصاد الأثيوبي من معدلات نمو غير مسبوقة خلال الخمس سنوات الماضية، والتي تعدت نسبة الـ 8.5 % متجاوزة بذلك المعدل العالمي للنمو المقدر بـ 7.2 %.
ووضع هذا النمو الاقتصادي إثيوبيا ضمن قائمة الدول الخمس التي تعتبر الأكثر وعداً بالأمل في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء جنباً إلى جنب مع: جنوب إفريقيا، نيجيريا، أنجولا وغانا، والتي من المتوقع أن تلعب دور مركز القوة الاقتصادية في المستقبل القريب.
لا شك أن الحكومة الإثيوبية بذلت مجهودات جبارة في جذب الاستثمارات الأجنبية، وقدمت التسهيلات للمستثمرين، ورصدت ميزانيات ضخمة لبناء شبكة طويلة من الطرق المعبدة والسكك الحديد التي ربطتها بدولة جيبوتي، ما جعل معظم التقارير الدولية تشير إلى أن إثيوبيا إذا سارت على هذا النسق من النمو سيكون اقتصادها الأسرع نمواً في العالم.
ولكن بالرغم من كل هذا النجاح الاقتصادي، إلا أن ذلك لم ينعكس على حياة المواطن الإثيوبي الذي لا يزال يعاني الفقر والفاقة والمرض، وتهدد المجاعة حوالي 15 مليون نسمة من السكان، علاوة على الاحتقان السياسي الذي أدخل البلاد منذ انتخابات عام 2014 في دوامة من الاحتجاجات والاضطرابات والعنف واتهامات للحكومة بتهميش وإقصاء قوميتي الأورمو والأمهرا وإهمال مناطقهما.
في 15 فبراير/ شباط الماضي، دفع ارتفاع وتيرة الاحتجاجات وازدياد السخط على أداء الحكومة والنقمة عليها، رئيس الوزراء هايلي مريام ديالسين إلى تقديم استقالته من رئاسة الحكومة والائتلاف الحاكم «الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية».
وقبيل تقديم استقالته، أمر ديالسين بإطلاق سراح آلاف المعتقلين السياسيين، وعقد اجتماعاً حاسماً مع قادة جبهة الأورمو، إلا أنه فشل في التوصل إلى اتفاق ينقذ البلاد من الأزمة السياسية التي لم تشهد البلاد مثلها في تاريخها الحديث.
استقالة ديالسين المفاجئة، وضعت الائتلاف الحاكم أمام خيارين لا ثالث لهما لحل الأزمة: فإما أن يستجيب لمطالب المعارضة المتمثلة في الإصلاح السياسي وإشراك المعارضة في الحكم، وإما ازدياد اتساع رقعة الاحتجاجات مع احتمال جنوحها إلى العنف.
وعلى الرغم من أن فرص المناورة أمام الحكومة الإثيوبية تبدو ضئيلة للغاية، إلا أن إعلان البرلمان فرض حالة الطوارئ لمدة 6 أشهر، يشير إلى أن الائتلاف الحاكم لم يستوعب مضمون الرسالة التي حملتها استقالة ديالسين، والتي تؤكد أن الأوضاع لم تعد تحتمل التسويف أو المماطلة، وإنما تتطلب تغييرات جذرية قد تكون مؤلمة، ولكنها ضرورية للحفاظ على الاستقرار.
لقد فتح ديالسين الباب على مصراعيه لتغيير ناعم وإبعاد شبح العنف والحرب عن بلاده، وعلى الائتلاف الحاكم أن يستوعب ذلك، ويحقق للمعارضة قدراً من مطالبها.
alzahraapress@yahoo.com