إرهابيو «داعش» عائدون إلى بلدانهم
تاتيانا كانونيكوفا*
بينما كان ملايين الناس منهمكين في الاحتفال بأعياد رأس السنة، كان لدى المسؤولين عن مكافحة الإرهاب في كل أنحاء العالم اهتمامات مختلفة تماماً. فعلى الرغم من أن تنظيم «داعش» خسر مواطئ أقدامه في العراق وسوريا، إلا أن «الحرب على الإرهاب» لم تهدأ، بل على العكس أخذت تمتد الآن إلى أنحاء أخرى من العالم.
في أواخر ديسمبر/كانون الأول، بث «داعش» شريط فيديو دعائياً دعا فيه أنصاره، أو من يسمون «الذئاب المنفردة»، إلى شن هجمات تستهدف احتفالات أعياد رأس السنة في البلدان الغربية خصوصاً. وأكدت أجهزة استخبارات عدة صحة هذا التهديد، ما أدى إلى تشديد إجراءات الأمن عبر أوروبا خصوصاً، والعالم عموماً. وفي بلدان سبق أن استهدفت باعتداءات إرهابية، مثل بريطانيا وفرنسا، وحتى بلدان بعيدة مثل أستراليا، اتخذت إجراءات أمنية مكثفة.
فما هو الوضع اليوم؟
إننا نشهد ظاهرتين نتيجة لتغيير استراتيجية «داعش». أولاً، تزايد عدد «الذئاب المنفردة»، أي أولئك الذين يعملون إفرادياً من تلقاء أنفسهم ولكنهم يستلهمون أفكار «داعش». والظاهرة الثانية هي عودة المقاتلين الأجانب في صفوف «داعش» في سوريا والعراق إلى بلدانهم، حيث يشكلون الآن تحديات للأمن الوطني عبر العالم، خصوصاً في أوروبا وآسيا الوسطى وجنوب آسيا.
وقد عرضت الدكتورة كلوديا كارفاليو، الباحثة في جامعة تيلبورغ في هولندا والخبيرة في شؤون الإرهاب، التهديدات الرئيسية التي يشكلها مقاتلو «داعش» العائدون إلى بلدانهم في أوروبا. وقالت:
«المقاتلون الأجانب العائدون متسللين من دون أن ترصدهم أجهزة الأمن، قادرون تماماً على إعادة إحياء شبكات موجودة أصلاً، خصوصاً في أوروبا، وعلى تجنيد أعضاء جدد، كما أشار إلى ذلك كولن كلارك (عالم سياسي يعمل كباحث لدى مؤسسة "راند" للدراسات الأمريكية المنتشرة عبر العالم). وجميع هؤلاء العائدين لديهم قصص يروونها عن "بطولاتهم" في الحرب، ما يعطيهم هيبة وسلطة تمكنانهم من تجنيد آخرين. وكما نشهد في إسبانيا، فإن خلايا صغيرة ومغلقة على ذواتها تكون منبتاً ل" الذئاب المنفردة" وملهماً لإرهابيين مجندين حديثاً. وهذا طبعاً هو نتيجة فقدان معاقلهم في سوريا والعراق».
وأشارت كارفاليو إلى أن مثل هذه الشبكات الإرهابية تضم أشخاصاً يعرفون بعضهم بعضاً، ولديهم روابط عائلية واجتماعية. وعودة مقاتلين أجانب يروون قصص مشاركتهم في حروب يعزز مثل هذه الشبكات.
وفي ما يتعلق بمكافحة الإرهاب، فهذه ليست فقط مسألة احترافية عناصر الشرطة والاستخبارات. ففي بعض الأحيان، السياسة تعيق جهود مكافحة الإرهاب بدلاً من أن تساهم فيها. ونجاح مكافحة الإرهاب يعتمد إلى حد بعيد على تنسيق الاتصالات وتحديد السلطات بين مختلف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية.
وفي آسيا، الوضع ليس أفضل حالاً مما هو في أوروبا. وفي ديسمبر/كانون الأول، حذر رئيس أوزبكستان شوكت ميرضياييف، من أن هزيمة «داعش» في سوريا والعراق لا تحل مشكلة المجموعات الإرهابية التي ستعود على الأرجح لتنشط في أي مكان، وأي وقت. وقال في إشارة إلى هؤلاء العائدين إلى بلدانهم: «إلى أين سيذهبون تحديداً؟ نحن لا نعرف».
وهناك ما يبرر قلق الرئيس ميرضياييف، حيث إن آسيا الوسطى هي منبت خصب لإرهابيين. وفي الواقع، كسب «داعش» دعماً مهماً في آسيا الوسطى. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصدرت «مجموعة صوفان للاستشارات»، وهي مؤسسة تقدم معلومات ونتائج دراسات إلى حكومات ومنظمات دولية وإقليمية، تقريراً أفاد بأن أكثر من 5 آلاف مواطن من دول آسيا الوسطى كانوا انضموا إلى «داعش» في سوريا والعراق.
وحتى الآن، يعرف أن 500 من هؤلاء الإرهابيين الأجانب عادوا إلى بلدانهم في أوروبا وآسيا وهم مسلحون بتجارب وقصص حرب. وهذا ما يجب التصدي له في العام الجديد.
*باحثة روسية تعمل في معهد موسكو للشؤون الدولية – موقع «آسيا تايمز»