إفريقيا وظاهرة الفساد

مفتاح شعيب
لا تختلف القمة الثلاثون لقادة الاتحاد الإفريقي المجتمعين في أديس أبابا في جوهرها عن القمم السابقة، فالقضايا المطروحة تتكرر من مؤتمر إلى آخر، كما تتكرر الحلول والمقاربات، لكن الإنجاز ما زال دون المأمول بسبب عوامل عدة تحول دون أن يكون القرار الإفريقي مستقلاً أو قابلاً للاستمرارية بفعل الخلافات المزمنة وتضارب المصالح ومرجعية كل دولة من دول الاتحاد.
دورة هذا العام توافق المشاركون على عقدها تحت شعار «الانتصار في معركة مكافحة الفساد»، اعترافاً بأن هذه الظاهرة المقيتة مستفحلة بشدة في أغلب الدول، فمعظم البلدان الإفريقية تتذيل ترتيب الدول الأكثر فساداً وانعداماً للشفافية والإفلات من المحاسبة. ومن حيث المبدأ تعتبر مكافحة الفساد قضية ملحة تستوجب على القارة مواجهتها وتضع لها المواثيق الملزمة لتوسيعها، حتى يتم وضع الاستراتيجيات الناجعة للتنمية والقضاء على الفقر وإرساء الحكم الرشيد. وهذه الأهداف موضوعة أبداً على جدول أعمال القمم الإفريقية منذ تأسيس الاتحاد الإفريقي الوريث الشرعي لمنظمة الوحدة الإفريقية المعلنة عام 1963، ومنذ ذلك التاريخ نجح هذا الهيكل في مساعدة أغلب دول القارة على التخلص من الاستعمار، ولكنه ما زال في منتصف الطريق أو قبل ذلك للحد من التبعية والخضوع لهيمنة القوى الكبرى. ومع ذلك تظل المشاكل الإفريقية هي الأكثر استعصاء من غيرها بسبب وجود بيئة متخلفة وانعدام القدرات الذاتية لتحقيق التكامل. وقد ساهم هذا العامل في توسيع الهوة بين الأفارقة وغيرهم من الشعوب الأخرى، فهناك دول في آسيا تحررت من الاستعمار منذ عهد قريب، واستطاعت أن تتحول قوى عظمى مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية، بينما ظلت معظم الدول الإفريقية بعيدة جداً عن مؤشرات التقدم.
في بداية الألفية الحالية استطاعت الآليات القارية أن تفض كثيراً من الحروب الأهلية والنزاعات وبدأ السلام يعم تدريجياً، ومن هنا جاءت فكرة تطوير «المنظمة» إلى اتحاد على غرار الاتحاد الأوروبي. ومع بدء العمل على المشروع الجديد بدأت عقبات جديدة تنتشر، منها تفشي عدم الاستقرار وانتشار جماعات الإرهاب، وقد أفرزت هذه الظواهر تبعات خطيرة من قبيل انتشار شبكات الاتجار بالبشر وتهريبهم إلى أوروبا. ويتضح أن أسباب هذه الظواهر تعود بالأساس إلى الفساد السياسي والاقتصادي الذي يجتاح القارة الإفريقية، وربما لا يغالي بعضهم حين يتهم القوى الخارجية، وتحديداً الأوروبيين، بالمسؤولية على المنحدر الصعب الذي وقع فيه الأفارقة. فحين انعقدت القمة الإفريقية الأوروبية في أبيدجان شهر نوفمبر الماضي، جرى الحديث عن «شراكة جديدة» بين الطرفين وأطلقت القمة وعوداً كبيرة بشأن الاستثمار وتحقيق التنمية ومكافحة الإرهاب والتصدي لقوارب الهجرة. وفي الواقع ظلت الأوضاع على ما هي عليه، لأن الإرادة الفعلية لتغيير الواقع شبه معدومة أو ضعيفة في أحسن الأحوال.
من المؤكد أن القارة الإفريقية مأزومة بشدة ولديها مشاكل وتحديات ينوء بحملها العالم بأسره، والحلول لا يمكن أن تأتي من الخارج بل من داخل القارة حين تتوافق دولها وشعوبها على طموحات مشتركة، فما يوجد هناك من ثروات وموارد لا نظير لها في أي مكان آخر من الأرض، ولكن تلك الثروات لا قيمة لها إذا لم تجد سياسات رشيدة تديرها وعقولاً بناءة تصنع بها التغيير المنشود منذ عقود.
chouaibmeftah@gmail.com