“إكسبو 2020 “… نجاح دولة متصالحة مع نفسها
خيرالله خيرالله
عندما يرى المرء بأمّ عينيه الحدث المتمثّل بـ“إكسبو 2020” في دبي، يكتشف مجدّدا أهمّية دولة الإمارات العربيّة المتحدة التي أسّسها عبقري صاحب رؤية اسمه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، يكتشف المرء كيف استطاعت دولة من دول الخليج العربي ربط نفسها بالمستقبل بعيدا عن عقد الماضي… ولكن من دون التخلي عن أصالتها.
تستضيف دبي معرض “إكسبو 2020” بمشاركة 190 دولة. لم يكن ممكنا استضافة الإمارة مثل هذا الحدث العالمي الفريد من نوعه لولا الإطار العام الذي تجسّده تجربة دولة الإمارات التي تحتفل بعد أيام بالعيد الـ50 لقيامها، ولولا إعداد نفسها للحدث الفريد من نوعه في العالم والذي يفترض أن يجلب 25 مليون زائر في ستّة أشهر. لا غرفة شاغرة في دبي. كلّ ما فيها من بنى تحتيّة حديثة، أقيمت بعيدا عن الفساد والغش، يعمل في ظلّ توافر كلّ الخدمات من كهرباء ونظافة وطرقات… وأمن ونظام وسيادة للقانون.
ما تشهده دبي من نهضة في كنف دولة الإمارات يدعو إلى مقارنة مع دولة منهارة اسمها لبنان أضاعت كلّ الفرص التي أتيحت لها كي تكون دولة متميّزة في المنطقة. كلّ ما في الأمر أن اللبنانيين قضوا، بملء إرادتهم، على بلدهم كونهم لا يعرفون أن ليس لديهم سوى لبنان. لم يعرفوا يوما قيمة لبنان ولا قيمة بيروت. كانت الضربة القاضية الوصول إلى الوضع الراهن، أي إلى بلد رئيس جمهوريته ميشال عون، في حين يحكمه فعلا “حزب الله”. لا يمكن توقّع شيء آخر غير البؤس والخراب والدمار والفقر والعزلة في ظلّ هذه المعادلة العجيبة الغريبة المصطنعة.
ما الذي يمكن توقّعه من بلد لا همّ لرئيس الجمهورية فيه سوى إيصال صهره جبران باسيل إلى موقع رئيس الجمهوريّة عندما تنتهي ولايته في 31 تشرين الأوّل – أكتوبر 2022؟ أكثر من ذلك، ما الذي يمكن توقّعه من بلد يمارس فيه رئيس جمهوريّته قناعاته التي في مقدّمها أن “حزب الله” سيفرض جبران باسيل رئيسا للجمهوريّة، كما حدث معه؟
هناك دائما في كلّ مدينة من مدن القارات الخمس مكان لدور أو لكل الأدوار في آن. من يزور دبي هذه الأيّام يكتشف أن المدينة صارت مكانا يتسّع لكل الأدوار. يعود ذلك إلى أنّها جهّزت نفسها كي تكون فضاء لأكثر من مدينة واحدة تجمع بين المال والأعمال والسياحة والخدمات… واستضافة “إكسبو 2020”. باتت دبي في العام 2021 مدينة حديثة ومتطورة وآمنة تحلو فيها الحياة لكلّ من يرفض ثقافة الموت.
هزمت دولة الإمارات كلّ العوائق التي كانت تقف في وجه تطورّها، بما في ذلك عائق الطبيعة. استطاعت ذلك بفضل التطلّع إلى المستقبل بدل البقاء في أسر عقد الماضي. هذه العقد جعلت من لبنان دولة من الماضي. يبدو معيبا إجراء أي مقارنة بين لبنان ودولة الإمارات حيث يوجد عقل سياسي بنّاء. اعتمدت الإمارات المنطق وثقافة الحياة فيما تحكمت بلبنان ميليشيا مذهبيّة تابعة لإيران تروّج لثقافة الموت. لم يخف المسؤولون الإيرانيون ذلك عند تحدّثهم عن امتلاك ستة جيوش في المنطقة أحدها “حزب الله”.
في “إكسبو 2020”، ولأن دولة الإمارات دولة تتطلّع إلى المستقبل وليست في أسر الماضي، رفع العلم الإسرائيلي إلى جانب العلم الإيراني. تعاطت إيران مع الواقع بعيدا عن المزايدات التي تمارسها في بلد مغلوب على أمره اسمه لبنان دخل، بفضلها، مرحلة المصير المجهول.
ليس “إكسبو 2020” سوى تتويج لنجاح حقّقته دولة متصالحة مع نفسها، أي مع شعبها أوّلا، ومع محيطها. تمتلك هذه الدولة علاقات تعاون مع كلّ دول العالم ومهتمّة بالتغلب على كلّ ما يواجهها من عوائق، بما في ذلك عائق الصحراء. في النهاية، تغلّبت دولة الإمارات على الصحراء. في دولة الإمارات تحقّق المساحات الخضراء انتصارات مستمرّة على الصحراء. من تغلّب على الصحراء هو رؤية الشيخ زايد الذي لم يواجه الصعوبات والعوائق عبر حملات التشجير فحسب، بل ركّز أيضا على المواطن الإماراتي. ركّز على التعليم والصحّة وبناء الإنسان بشكل عام. خدم كلّ القضايا العربيّة بكلّ ما يستطيع، وصولا إلى تقديم نموذج عن دولة تترك الأفعال تتكلّم بدل اعتماد الشعارات الفارغة والخطابات الحماسيّة التي لم تجلب سوى الكوارث.
فوّت لبنان كلّ الفرص التي برزت أمامه من أجل استعادة عافيته. لم يعد له دور في المنطقة. لم يعد جامعة ومدرسة ومستشفى وخدمات مصرفيّة وسياحة واستثمارات. فضّل القضاء على عاصمته بيروت التي أعاد رفيق الحريري الحياة إليها في ضوء ما كان يمتلكه من رؤية. لعلّ أكبر خطأ يرتكبه اللبنانيون بعد انهيار بلدهم وعاصمتهم، الاعتقاد أن دبي حلّت مكان بيروت. هذا ليس صحيحا. دبي أوجدت لنفسها كلّ الأدوار، بقيت بيروت أم لم تبق. كلّ ما في الأمر أن هناك رؤية ولدت مع ولادة دولة الإمارات قبل نصف قرن، رؤية زايد بن سلطان آل نهيان الذي صنع المعجزات، بعيدا عن الفساد، وصولا إلى ما تحقّق الآن في دبي بفضل أبنائها وأبناء كل إمارة من الإمارات السبع. على رأس هؤلاء الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم والشيخ محمد بن زايد وليّ العهد في أبوظبي.
سهّلت الثروة النفطيّة أمورا كثيرة على دولة الإمارات، لكنّ تحقيق أيّ إنجاز لم يكن ممكنا من دون الرهان على الإنسان الذي يظلّ الثروة الحقيقية لكلّ بلد. من يفكّر في الإنسان كثروة، تُفتح أمامه آفاق جديدة، بما في ذلك أفق مرحلة ما بعد النفط وبناء بلد قادر على تطوير نفسه بدل السقوط في فخّ السلاح المذهبي الميليشيوي، الذي يحمي الفساد، ورفع الشعارات الطنانة. وهذا هو الفخّ الذي سقط فيه لبنان…
كانت النتيجة أن لبنان خسر ثروته الأولى، وهي الإنسان. هذا الإنسان الذي سدّت في وجهه كل الأبواب، لكنّه وجد من يرحب بأبنائه من ذوي الكفاءات في دولة تتطلّع إلى المستقبل هي دولة الإمارات. صارت الإمارات من بين الدول النادرة التي ما زالت ترحب باللبنانيين من ذوي المؤهّلات في ما يمكن وصفه بجائزة ترضية لبلد اختار البقاء في أسر الماضي وعقده!
نقلا عن العرب