إهمال الاتجار بالأطفال
الينكا جيرون*
الأطفال في حاجة إلى المساعدة من قِبل الكبار لوقف إساءة معاملتهم واستغلالهم. وينبغي أن تحظى حمايتهم بأولوية تطغى على كل المسائل الأخرى.
حظيت جريمة الرق الحديث بالكثير من العناية في السنوات القليلة الماضية. فقد أدخلت الحكومة البريطانية قانون الرق الحديث في عام 2015، وقالت رئيسة الوزراء تيريزا ماي، إنها تريد «فرض عقوبات جديدة صارمة لوضع سادة الرق خلف القضبان، في المكان اللائق بهم».
ولكن ماذا نعني تحديداً بتعبير «الرق الحديث»؟ وفقاً لمفوض المملكة المتحدة لمكافحة الرق، فإن الرق الحديث هو الاتجار بالبشر. ولكنهما ليسا الشيء ذاته- ووضعهما تحت العنوان نفسه يعرض بعض الضحايا لخطر التجاهل والإهمال.
إن تعبير «الرق الحديث» يثير سخطاً أخلاقياً لا ينكره أحد. وهنالك قصص إخبارية متكررة عن أشخاص ضعفاء يُجبَرون على العمل في ظروف مروعة، وعن مقاضاة «محركي الرق» بسبب استغلالهم للعمالة. والتركيز الجديد على استغلال العمالة يتطلب من الشركات التجارية إظهار شفافية في سلسلة الإمداد، وإعداد «بيانات عن الرق الحديث» لإظهار أنه لا يحدث في تلك الشركات.
ولكن هذا التركيز ينصرف عن الأشكال الأخرى من الاتجار، التي تجري فعلاً. فلا يزال الاتجار بالأطفال محجوباً وراء الاهتمام الذي ينصبّ على الرق الحديث. وليس من المحتمل أن يكون الأطفال مرئيين في أسواق العمل، التي يسيطر عليها البالغون- ويتفاقم ذلك العامل بفعل العمليات السرية للمتاجرين الذين يستغلون الأطفال داخل المنازل الخاصة، وفي معامل القنب أو بيوت الدعارة.
ونحن نعلم بالفعل أن الأطفال والأشخاص الفتيان الذين يتم الاتجار بهم، لا يُستغلون فقط من أجل عملهم. حيث يمكن شراء الأطفال وبيعهم وإعادة بيعهم من قِبل المستغِلين الذين يسيئون معاملتهم جنسياً وجسدياً، أو يستخدمونهم لارتكاب الجرائم.
ومن الضروري أن نكشف استغلال وإيذاء الأطفال بأشكال ليس معترفاً بها بعد، كالاتجار بهم. حيث تُمَنّى البنات الصغيرات بأحلام الحصول على عقود عمل كعارضات أزياء، في لندن وباريس وميلانو، على سبيل المثال، ولكنهن بدلاً من ذلك، يقعْن في براثن إدمان المخدرات، والاستغلال الجنسي والاغتصاب.
والتركيز الاقتصادي الحالي على الرق الحديث ضيق جدّاً ومنصبّ على البالغين.
وقد بدأت المملكة المتحدة للتوّ في تحقيق تقدم في فهم ما هو الاتجار بالبشر، وكيف يحدث، وتأثير ذلك في الضحايا، والأشكال العديدة التي يمكن أن يتخذها، فلماذا نغيّر ما ندعوه به؟
لقد كان قانون الرق الحديث فرصة للتسهيل على الضحايا لكي يتقدموا بالكشف عمّا حدث لهم. ولكن التشريع أخذ منحى مختلفاً، حيث ركز على مقاضاة مَن يسيئون استغلال العمال من أجل الربح.
كما فرض عقوبات أشدّ صرامة على المتاجرين ومنظمي التشغيل المؤقت- ولكن من المذهل، أن عدد الضحايا الذين يتعرضون للملاحقة القضائية على جرائم مرتبطة بالاتجار بالأشخاص، أكبر من عدد المتاجرين أنفسهم. وفي وقت لاحق، واستجابة للقلق إزاء استمرار تجريم الضحايا، أدخل القانون بنداً دفاعياً قانونياً من أجلهم.
ولكن هذا البند بالنسبة للأطفال، يتضمن «اختباراً شخصياً معقولاً»، يضع العبء على عاتق الأطفال أنفسهم ليقدموا أدلة على الاتجار بهم، لكي يحصلوا على الحماية من الملاحقة القضائية. ولكن، كيف يمكن لطفل أن يبرهن على أنه جرى التلاعب به نفسياً، وإرغامه، أو بيعه قصة مقنعة تدغدغ آماله بفرص في حياة أفضل؟
وقد أبرزت الدراسات الحديثة التي أجريت مع الأطفال الذين جرى الاتجار بهم، أن نظاماً يهدف إلى دعم الضحايا، لا يزال يركز على الهجرة والملاحقة القضائية. وهذا النهج لا يساعد الأطفال، أو يدعمهم في الإفلات من ظروف الرق.
وإلى أن يتغير ذلك، سيظل الأطفال مخفيين، ويستمرون في معاناة سوء المعاملة المتعدد والمتكرر. ولذا، فإن ثمة حاجة إلى إصلاح عاجل.
وقد أظهرت الأبحاث مع الأطفال المتاجر بهم أيضاً، أنهم عندما تقدّموا إلى الوكالات المهمة، طلباً للمساعدة، كثيراً ما كانوا يقابَلون بالعنصرية وكراهية الأجانب. وكانوا يشعرون بأنهم لا يُصغى إليهم، ولا يُصَدَّقون في النظام الذي تسيّره قضية الهجرة.
إن هذا النظام غير مساعد. ومن الضروري أن نصغي لما يقوله لنا ضحايا الاتجار فعلاً.
*محاضرة في العمل الاجتماعي متخصصة بمحاربة الاتجار بالأطفال وحماية الطفل، في جامعة باث (البريطانية). موقع: «ذي كنفرسيشن»