إيطاليا تبحث عن نفسها
يونس السيد
الاختراق التاريخي الذي حققه اليمين الشعبوي والمتطرف في الانتخابات التشريعية الإيطالية، لم يسعد بالتأكيد دعاة الإصلاح للاتحاد الأوروبي، خصوصاً فرنسا وألمانيا، بعد ساعات قليلة من حصول المستشارة الألمانية انجيلا ميركل على موافقة الحزب الاشتراكي الديمقراطي على تشكيل الائتلاف الحكومي، بقدر ما أسعد مارين لوبان زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية واليمين الأوروبي المتطرف، وهو يرى إيطاليا تندفع إلى أحضان هذا اليمين.
لم يكن بوسع السياسي المخضرم سيلفيو برلسكوني تحقيق المفاجأة التي تعهد بها في بروكسل باعتباره الحاجز الوحيد في وجه الشعبويين والقوى المناهضة لأوروبا، فقد قاد برلسكوني الذي يتزعم حزب «إيطاليا إلى الأمام» تحالف يمين الوسط والذي ضم إلى جانب حزبه، حزب رابطة الشمال اليميني المتطرف بزعامة ماتيو سالفيني، وحزب «فراتيلي ديتاليا» أو «أشقاء إيطاليا»، ولم يحصل هذا التحالف سوى على نحو 37% من الأصوات، بحسب النتائج شبه النهائية، بل إن حزبه حصل على المرتبة الثانية في هذا التحالف الذي تصدره حزب الرابطة ما قد يرغم برلسكوني على الانضواء تحت راية حليفه سالفيني في حال تسنى للتحالف تشكيل حكومة ائتلافية، ناهيك عن أن برلسكوني نفسه لا يستطيع تولي منصب رئاسة الحكومة حتى عام 2019 بسبب إدانته سابقاً بقضايا فساد، وكان قد استعد لذلك بترشيح رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني لهذا المنصب. وبالمقابل حققت حركة «خمس نجوم» اليمينية بزعامة لويجي دي مايو اختراقاً تاريخياً بحصولها على نحو 32 % من الأصوات لتصبح الأولى في البلاد، في حين مني يسار الوسط والحزب الديمقراطي الحاكم بزعامة ماتيو رنزي بهزيمة كبيرة بحصوله على نحو 19% من الأصوات، بينما بالكاد تمكن اليسار، لاسيما حركة «ليبري أي ايغوالي» (أشقاء ومتساوون) من تخطي عتبة 3% التي تسمح له بدخول البرلمان. ومع أن أياً من القوى السياسية لم يتمكن من الوصول إلى عتبة الحسم والحصول على أغلبية المقاعد وهي 40 % بحسب النظام الانتخابي الجديد، فإن مستقبل المشهد السياسي في إيطاليا سيظل غامضاً، لأن مجمل هذه النتائج، سيجبر القادة السياسيين على عقد تحالفات غير مألوفة وإجراء مفاوضات صعبة وشاقة للاتفاق على تشكيل حكومة جديدة، أو تدفع حالة عدم الاستقرار السياسي الجميع إلى إجراء انتخابات جديدة. فالتناقضات القائمة بين القوى السياسية أكبر من أن تجد حلولاً سهلة بالنظر إلى نتائج الانتخابات نفسها التي جاءت تعبيراً عن رفض الناخبين للطبقة السياسية القديمة وتباطؤ النمو الاقتصادي والتوتر القائم حول الهجرة والبقاء في الفضاء الأوروبي.
وحقيقة الأمر أن صعود القوى اليمينية المتطرفة المناهضة للاتحاد الأوروبي يندرج في إطار الخط الذي انتهجه مؤيدو «بريكست» في بريطانيا وتصاعد قوى اليمين المتطرف في كل أنحاء أوروبا، ويثير المزيد من القلق حول تخلي إيطاليا عن التزاماتها الأوروبية.
younis898@yahoo.com