قضايا ودراسات

اتساع الفجوة الطبقية

حسام ميرو

ركّز تقرير التنمية البشرية، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في 14 سبتمبر/‏ أيلول الماضي، على اتساع الفجوة الطبّقية في العالم، وشمل التقرير 189 بلداً، وهو يُعنى بشكل رئيسي بمتوسط العمر، ومستويات التعلم، والصحة، والرفاه، وهي المؤشرات التي توضح الفوارق في أنماط المعيشة، وتعكس مستوى الأزمات السياسية والاقتصادية، بين دول العالم. كما أن التقرير يأخذ على عاتقه توجيه عدد من الملاحظات الرئيسية المتعلقة بالأزمات المؤسسة للفوارق الإنسانية والمعيشية، مثل حركة الهجرة بين الدول، بسبب النزاعات والحروب، أو الانكماش الاقتصادي في دول بعينها، أو غياب الديمقراطية، وغيرها من الأسباب.
وقد درجت العادة، في مثل هذه التقارير، أن تتم الإشارة إلى المشكلات بصفتها العامّة، من دون الخوض في تحليل الأسباب، تجنباً لمشكلات دبلوماسية، أو إحراج بعض الدول الكبرى، والتي تتحمل، بسبب توجهاتها السياسية والاقتصادية، جزءاً كبيراً من أزمات شعوب أخرى، في ظل التنافس العالمي على زيادة الهيمنة والنفوذ في العالم.
وعلى الرغم من أهمية العامل الإحصائي لتقرير التنمية البشرية، كونه يستند إلى عدد هائل من الأرقام والبيانات، إلاّ أنه يفتقر إلى البعد التحليلي بدرجة كبيرة، لكنه في الوقت نفسه يوفر لمن يريد تحليل واقع الأزمات الإقليمية أو الدولية مرجعية، على درجة عالية من الموثوقية، ففي مجال التعليم، حافظت الكثير من الدول، خلال السنوات الماضية، على مستوى ثابت من سوء التعليم، ومنها بعض الدول العربية، حيث تشهد العملية التعليمية فساداً، يبدو غير قابل للإصلاح، يشمل مستويات التعليم كافة، بالإضافة إلى وجود ملايين من الأميين، والذين لم تتمكن كل الخطط، على مدار سنوات وسنوات، من تقليل أعدادهم، ما يؤشر إلى ما هو أبعد من مستوى التعليم، ويتصل، بشكل لا يقبل الشك، بفشل السلطات السياسية، وأجهزتها التنفيذية.
حافظت عدد من الدول على موقعها في مقدمة الدول الأكثر غنى ورفاهاً، مثل النرويج، وأستراليا، وسويسرا، وألمانيا، كما حافظ العديد من الدول العربية على مواقعها المتأخرة في التصنيف، وتراجعت دول عربية أخرى، بسبب ما تشهده من نزاعات مسلحة، وتوضح هذه اللوحة، استمرار أوروبا والغرب في تصدّر المواقع المتقدمة، من حيث رفاهية السكان، وتطوّر مستوى الخدمات، ومراوحة الدول الطرفية في سوق العمل الدولي في مكانها، أو تراجعها، وهو ما يطرح فعلياً عدداً كبيراً من الأسئلة، حول تردّي مسارات التنمية في العالم العربي، وحول مستقبل ما يعتريه من أزمات، واحتمال تحولها إلى انفجارات اجتماعية أو سياسية في المدى المنظور.
أوضح التقرير أن أوروبا تشكل المقصد الأول للاجئين، وهو أمر يجب عدم ربطه فقط بالنزاعات الموجودة في عدد من الدول، فقد أثيرت في السنوات السابقة الكثير من الشكوك حول استفادة الدول الصناعية الكبرى من موجات اللجوء، حيث تحتاج دولة مثل ألمانيا، وبحسب معهد برلين للدراسات السكانية والتنمية، إلى عشرات الآلاف من الوافدين الجدد كل عام (حوالي مئة ألف وافد بحسب المصدر)، من أجل سدّ النقص في الأيدي العاملة، خصوصاً مع تراجع نسبة المواليد، وارتفاع نسبة الشيخوخة.
لقد تمّ التنظير من قبل النيوليبراليين الجدد، وعلى نطاق واسع، لخلق أزمات كبيرة، يمكن أن تشكّل فرصة هائلة أمام استمرار التوسّع الرأسمالي، من دون الالتفات إلى الآثار الاجتماعية والإنسانية الباهظة لمثل هذا التوجّه، وإلى بقاء شعوب بأكملها خارج دائرة التنمية البشرية، وفي العقد الأخير وحده، أصبحت بعض الدول اسماً على الخريطة فقط، بعد أن عصفت بها الحروب، من دون أن يتدخل المجتمع الدولي، من أجل وضع حدّ لتلك الحروب، بل على العكس من ذلك، قامت الدول العظمى بتغذية تلك النزاعات، ودعم أطراف محلية، لكي تستمر في الصراع، وفي تفتيت الدول، ما يسهّل فعلياً إعادة رسم خرائط المصالح الاقتصادية، بما يتناسب مع توجهات الرأسمالية الجديدة.
إن ملايين الكفاءات، ذات التحصيل العلمي العالي، لجأت إلى الغرب، ضمن موجات اللجوء الأخيرة، وقد استهلك تعليمهم ميزانيات كبيرة، من دون أن تسنح لهم الفرصة في الإسهام في تنمية بلدانهم، وستذهب طاقاتهم وخبراتهم من أجل تنمية مجتمعات ودول أخرى، ولئن كانت الأنظمة السياسية هي المسؤول الأول عن هذه الكارثة، فإن الدول الصناعية، والدول الكبرى، ليست بريئة منها.

husammiro@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى