غير مصنفة

اجتماع الفصائل والأجندة الفلسطينية البديلة

د. محمد السعيد إدريس

اجتماع الفصائل الفلسطينية بالقاهرة الذي بدأ أعماله يوم الثلاثاء الماضي لمناقشة اتفاق المصالحة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية والانتخابات وبالذات انتخابات المجلس الوطني، على نحو ما أوضح خليل الحيَّة عضو المكتب السياسي لحركة «حماس»، تطور مهم وخطوة شديدة الإيجابية، والملفات التي أعلن أنها تحظى بأولوية البحث هي فعلاً ملفات شديدة الأهمية للتأسيس لعمل وطني فلسطيني حقيقي، وصلت فيه الأوضاع سواء كانت فلسطينية أو عربية إلى «ما هو أسوأ من الحضيض»، للدرجة التي جرّأت البعض على التطاول، ليس فقط على الحقوق المشروعة التي يناضل الفلسطينيون من أجلها على مدى سبعة عقود مضت، ولكن وصل التطاول مداه إلى مستوى «إنكار وجود شيء اسمه فلسطين» بالمطلق.
مناقشات الفصائل لا تحدث في فراغ، هناك ملفات أخرى، لا نقول أكثر أهمية من الملفات المعلن عنها، ولكن هي ملفات لا تقل أهمية، بعضها يخص الشأن الفلسطيني، وبعضها الآخر يتعلق بموقف الولايات المتحدة الحقيقي من القضية الفلسطينية المتطابق مع موقف «إسرائيل»، والذي يسير في اتجاه تصفية القضية الفلسطينية، ووضع نهاية لخيار «حل الدولتين»، وجر الفلسطينيين للبحث في «الخيارات البديلة» التي ظل قادة الاحتلال يطرحونها بين الحين والآخر، وبالذات خيار «الوطن البديل».
سؤال نتصالح من أجل ماذا.. وكيف؟ يعتبر سؤالاً محورياً الآن في ظل ضغوط على القيادة الفلسطينية للقبول ب «الصيغة الأمريكية للتسوية»، في الوقت الذي تعاقب فيه الإدارة الأمريكية السلطة الفلسطينية وتهددها بإغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير في واشنطن، بحجة أن «الفلسطينيين انتهكوا قانوناً أمريكياً يقضي بإغلاق البعثة إذا دعوا المحكمة الجنائية الدولية إلى مقاضاة «إسرائيل».
يحدث هذا في الوقت الذي يعلن فيه بنيامين نتنياهو أن «موقفه من أي خطة أمريكية لتسوية الصراع بين «إسرائيل» والفلسطينيين سيتحدد وفقاً للمصالح الوطنية والأمنية الإسرائيلية». جاء ذلك تعليقاً من نتنياهو رداً على ما نشرته القناة الثانية للتلفزيون «الإسرائيلي» بأن «الخطة الأمريكية الآخذة في التبلور، تتضمن دولة فلسطينية ليست في حدود 1967، على أن يتم لاحقاً التفاوض على تبادل أراض»، كما تتضمن أن «القدس خارج الخطة الأمريكية».
واضح أن نتنياهو يعمل في الاتجاه الآخر، أي تصفية خيار «حل الدولتين» على أرض الواقع، وما تقوم به «إسرائيل» أنهى عملياً أي شبه لوجود حل اسمه «حل الدولتين».
فالتقرير الذي نشره مؤخراً «مركز الإحصاء الفلسطيني» كشف أن الاحتلال يسيطر الآن، من الناحية الفعلية، على أكثر من 85% من أرض فلسطين التاريخية، ولم يعد يتبقى للفلسطينيين سوى أقل من 15% من تلك الأرض. وتأكيداً لهذه البيانات ما تقوم به سلطات الاحتلال، دون كلل أو ملل، من توسيع في مخطط تهويد مدينة القدس قبل أي تعاطٍ مع المقترح الأمريكي المبهم الذي يحمل اسم «صفقة القرن»، أي خلق أمر واقع بخصوص القدس يؤمِّن السيطرة «الإسرائيلية» على الجزء الأكبر من أراضي الضفة الغربية المحتلة عبر إدخالها ضمن حدود «القدس الكبرى» واعتبار هذه القدس التي تكاد تبتلع، وفقاً لهذا المخطط، معظم أراضي الضفة الغربية.
الإجراءات التعسفية لا تخص فقط القدس وأرض الضفة الغربية والقطاع وسكانهما، بل تخص أيضاً سكان فلسطين المحتلة عام 1948 لأن المشروع «الإسرائيلي» لا يقتصر فقط على التوسع الاستيطاني والتهويد للأراضي المحتلة عام 1967، بل يمتد إلى تنفيذ مخطط فرض «إسرائيل» دولة يهودية، وهذا الأمر يخص عرب فلسطين المقيمين داخل الكيان ويتمتعون بالجنسية «الإسرائيلية»، لأن الهدف هو فرض اللجوء عليهم قسرياً والخروج من «إسرائيل» أو القبول بالعيش كمواطنين من الدرجة الثانية.
مثل هذا الواقع، يؤكد ما سبق أن أعلنه وزير الخارجية الأمريكي السابق في آخر جولاته بالمنطقة عندما قال «ليس ثمة في «إسرائيل» مسؤول واحد يريد السلام»، لأن السلام معناه تقديم تنازلات.. فهل يمكن لاجتماعات الفصائل في القاهرة أن تقفز على هذا الواقع الأليم وتشغل نفسها بالبحث في تقاسم سلطة أو انتخابات دون أن تجيب عما هو أصعب من الأسئلة التي لم يعد من الممكن تجاهلها، من نوع: انتخابات أين؟ إذا كانت الأرض تصادر، وأي غاية لتأسيس نظام سياسي دون تحديد الغاية منه، هل هو تحرير الوطن المحتل أم تداول السلطة على أرض غير معلومة الملامح؟
من الضروري أخذ هذا كله في الاعتبار، وعندها سيكتشف هؤلاء القادة كم أضاعوا من الحقوق بصراعاتهم، وكم هي تحدياتهم في واقع رافض لهم. الوعي بهذا كله وتدبره يمكن أن يحدد معالم الأجندة الفلسطينية البديلة.

msiidries@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى