مقالات عامة

اختطاف أم كلثوم

يوسف أبو لوز

يذكر الجيل الذي صادف شبابه أو مراهقته في العام 1967، أي في حرب حزيران ذلك العام، والذي ابتلعت فيها «إسرائيل» «كامل التراب الفلسطيني» أن الإذاعة «الإسرائيلية» كانت تخصص كل يوم من الرابعة عصراً وحتى الخامسة ساعة كاملة لإحدى أغنيات أم كلثوم يجري بثها في وقت يكون فيه الناس على شاي ما بعد الظهيرة كما يقولون، ولأن أم كلثوم هي كوكب الشرق كما أطلقت عليها الصحافة.. «عاشت نصف قرن وهي على الصفحة الأولى..» كما جاء في ملف خاص عنها نشرته قبل يومين مجلة «الأهرام العربي»..
نقول لأنها كذلك، فقد كانت إبر مؤشرات راديوات الشعوب العربية تتحرك عند الساعة الرابعة عصراً إلى إذاعة «إسرائيل»، وبالطبع، ليس حباً في «إسرائيل»، بل حباً لصوت «الست» الأكثر اكتمالاً على المسرح بثوبها الطويل ومنديلها الذي لا يفارق يدها أثناء ساعة وأكثر من الغناء.
والغريب أن جيل ذلك الزمان بقدر ما كان متلهفاً يومياً إلى تلك الرابعة عصراً.. كان في الوقت نفسه في ذروة الحنق والغضب على الاحتلال «الإسرائيلي»، وإذاعته التي احتلت صوت أم كلثوم.
نعم.. كان بث أغنية لأم كلثوم من الإذاعة «الإسرائيلية» يشكل اختطافاً سافراً وسافلاً في الوقت نفسه للروح العربية، وسيدة الغناء العربي الكبريائي هي جزء من تكوين تلك الروح، ولم تكن «إسرائيل» تسطو على أم كلثوم وتسرق صوتها فقط، بل، وكانت تسطو أيضاً على أصوات تلك المرحلة العربية النفسية المملوءة بمعنى الفن وثقافته الرفيعة.
اليوم، وبعد 43 عاماً على رحيل الأسطورة الهرمية أم كلثوم تسطو «إسرائيل» مرة ثانية على اسم هذا الكوكب العربي الذي لا زال مضيئاً في ليل العالم «البهيم».. فقد عمدت «إسرائيل» إلى إطلاق اسم أم كلثوم على شارع في القدس، وأكثر استفزازاً من ذلك، ذكر الكاتب المصري سيد عبد المجيد، أمس الأول، أن «إسرائيل» تعمل أيضاً على إنتاج فيلم وثائقي ضخم يتناول حياة وتراث ملكة الغناء العربي الكلاسيكي، والذي لم يتكرر إلى اليوم على أي حنجرة لرجل أو امرأة.
عائلة أم كلثوم ممثلة في أحد أبنائها (أي أبناء العائلة) أعلنت بغضب عن رفضها للاستغلال «الإسرائيلي» لأم كلثوم ورمزيتها العربية والتاريخية، ورفضت العائلة بشكل قاطع، ما أقدم عليه التلفزيون الصهيوني من سرقة وقرصنة لصاحبة «الأطلال».
وحسناً ما قامت به المجلة من تخصيص ملف عن الأسطورة بعنوان «أم كلثوم لا تنتهي».. فهي بحسب ما جاء في الملف وباختصار شديد.. إحدى أبرز علامات الحياة اليومية في مصر والوطن العربي، وصوتها وطن، وصارت عنواناً للقوة والدلال، وهي أيضاً لا تزال نصاً ينتج خطابات متعددة، وهي المرأة = الاستثناء، وتخطت صورتها العصر الذي تمثله فأكملت معنى الأسطورة.

yabolouz@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى