اخطر الرجال في التاريخ
عارف القليطي
لو أمعنا النظر في كل الأديان القديم منها المندثر او القديم المتجدد الباقي لوجدنا انها جميعها وبدون استثناء تدعو في المجمل الى ذات القيم والمبادئ.
العدل والمساواة واحترام كل الأجناس، حب الناس والإحسان اليهم، التراحم والتواد والتعاطف بين البشر، نبذ الكراهية والعنف والتطرف، الكثير والكثير من القيم والمبادئ الإنسانية ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق – حديث شريف ) .
لقد خط الأنبياء والرسل والمصلحين على مر الأزمان دستور المبادئ الإنسانية وميثاق شرف البشرية قبل ان توجد الأمم المتحدة والمنظمات الدولية فضلاً عن ان تسوق لنا هذه المنظمات مواثيق واتفاقيات ومعاهدات تضمن حقوق البشر.
الأنبياء والرسل، الفلاسفة والمصلحين، المجددين ودعاة السلام على مر العصور والازمان كلهم دعوا الى نفس المبادئ و ذات القيم.
على الإنسان أن يتغلب على غضبه بالشفقة، وأن يزيل الشر بالخير / إنما تزول الكراهية بالحب – من أقول جوتاما بوذا – مؤسس الديانة البوذية.
إن التجول في كتب الفلاسفة والتنقل بين مقولات المصلحين يوصلنا لذات الطريق – يقال أن أعرابياً نظر إلى مكتبة عامرة بالكتب القديمة فقال : إني أعرف جميع ما في هذه الكتب، كلها تقول : أيها الإنسان كن خيراً !
إذاً لماذا كل هذا التطرف والدموية والعنف، لماذا كل هذه الفرقة والحروب والاقتتال؟
عجيب جداً، مرعب ومخيف ما يفعله الإنسان بأخية الإنسان، سجون، تعذيب، قتل، تهجير، اغتصاب، حروب إبادة، تطهير عرقي.. الخ.
طمس الهوية الثقافية، تغيير الخلفية الدينية، إعادة تشكيل التركيبة الاجتماعية، التجويع والحروب الاقتصادية..
مع كل ما تحمله الأديان من دعوات للتسامح والمحبة والإخاء فان اشد الحروب فتكاً وقتلاً ودموية على مر التاريخ تلك التي شنت باسم الدين – والدين منها برئ – فعلى مر التاريخ لا يوجد أخطر من رجال الدين عندما يمس الأمر معتقدهم.
{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا }سورة الكهف الآية 29.
لقد أمرنا بالتبليغ والحساب بيد من له الامر من قبل ومن بعد، وهو الذي يفصل بين العباد.
{ إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} سورة الحج الآية 17.
أن بعضاً من الذين كان المفترض بهم أن يكونوا هم دعاة الإصلاح وحماة الإرث الإنساني المتسامح أصبحوا هم دعاة القتل والتهجير والقهر والتنكيل.
الحروب الصليبية شنت تحت ستار الدين، محاكم التفتيش والتطهير العرقي والقتل والتعذيب جرت في العصور الوسطى باسم الدين، خلفاء الدول – الإسلامية – شنوا الحروب والغزوات لتوسيع ملكهم تحت مضلة الدين.
{سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ الْمَجَامِعِ، بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً للهِ} يوحنا – الإصحاح 16 اية 2 .
{اجعل سيفك في غمده لأن كلَّ مَن يأخذُ بالسيف، بالسيف يهلك} متى – الإصحاح 26 ، أية 51 – 52 .
لقد صنعت حملات التبشير في إفريقيا مالم يصنعه الاستعمار والقهر ومحاولة طمس الهوية في سنوات طوال ، وبمكارم أخلاق التجار المسلمين وبتطبيق جوهر الدين الحنيف عملياً، ها هي اندونيسيا اليوم تعد اكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، والإسلام في جنوب شرق أسيا يعد من أكثر الديانات انتشاراً دون إراقة نقطة دم واحدة! وصدق رسولنا صلى الله عليه وسلم حين قال: (إن الرفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه، ولا ينزع من شيءٍ إلا شانه) .
إن مشكلتنا اليوم ليست في جوهر الأديان ولا ما تدعو اليه، بل في طي أعناق النصوص وفق الأهواء الشخصية وتحت مضلة الهوى تقرباً من سلطان او طمعاً في دنيا، او خوفاً من مس مكانة اجتماعية صنعها للبعض من حولهم من مريدين واتباع.
الزندقة والاتهام بالكفر والهرطقة جزاء المخالفين على مر العصور، التفرد بالرأي ونبذ الأخر ومحاولة الغلبة بالصوت قبل العقل جرت الويلات على الإنسان على مر الأزمان.
الأديان بريئة، والمخلصين من حملة الإرث الإنساني سيبقى ذكرهم عالياً، واخطر رجال التاريخ لن يذكروا الا مقترنين بالدم والعنف والقهر.
أخيراً ( لقد تعلمنا أن نطير في الهواء كالطيور ، وان نسبح في البحر كالأسماك ولكن لم نتعلم حتى الأن أن نمشي على الأرض كالأخوة – مارتن لوثر كينج ) .