اضطراب داخل القبيلة
تأليف: دوف واكسمان
عرض وترجمة: نضال إبراهيم
اعتادت «إسرائيل» على جمع اليهود الأمريكيين حول طاولة واحدة، خاصة أن المنظمات اليهودية نافذة في الولايات المتحدة، وتعمل من خلف الكواليس في أروقة صناعة القرار الأمريكي لتأمين الدعم المستمر ل«إسرائيل»، لكن يبدو أن الأمور داخل البيت اليهودي في الولايات المتحدة تتعرض لانقسامات شديدة، الأمر الذي يمكن أن يترك تأثيره على مستقبل الصراع الفلسطيني-«الإسرائيلي». يحاول الكتاب أن يشرح هذا من خلال تحليل المنظمات والشخصيات اليهودية في الولايات المتحدة.
يستكشف هذا الكتاب الصادر عن مطبعة جامعة برينستون باللغة الإنجليزية في 328 صفحة، الحيز الذي تزداد فيه النزاعات بشأن «إسرائيل» بين أبناء المجتمع اليهودي الأمريكي. إذ يرى مؤلفه دوف واكسمان أنه في تحول أساسي، أصبحت أعداد متزايدة من اليهود الأمريكيين أقل رغبة في دعم «إسرائيل» دون تردد، وأكثر استعداداً لانتقاد حكومتها علناً.
ويجد أنه أكثر من أي وقت مضى، يتجادل اليهود الأمريكيون حول السياسات «الإسرائيلية»، والكثير منهم، وخاصة الأصغر سناً، يشعرون بعدم الراحة إزاء معاملة «إسرائيل» للفلسطينيين. ويجادل بأن«إسرائيل» تتحول بسرعة إلى مصدر للفرقة بين اليهود الأمريكيين، وأن حقبة جديدة من الصراع بين اليهود الأمريكيين على «إسرائيل» تلوح في الأفق وستحل محل عصر التضامن القديم.
يأتي الكتاب بعد المقدمة في سبعة فصول هي: العلاقة اليهودية الأمريكية المتغيّرة مع «إسرائيل»؛ نهاية «إسرائيل» محقة أو خاطئة»؛ الجدل حول «إسرائيل»؛ تلاشي الإجماع؛ انقسام اللوبي المؤيد ل«إسرائيل»؛ تحدي المؤسسة اليهودية الحاكمة؛ استقطاب اليهود الأمريكيين؛ الخاتمة.
قضية خلافية
باعتماده على ذخيرة من المقابلات المتعمقة مع قادة ونشطاء يهود أمريكيين، يُظهر واكسمان في الفصل الأول لماذا أصبحت «إسرائيل» قضية خلافية بين اليهود الأمريكيين، من خلال التعمق في الجدل الأمريكي اليهودي حول «إسرائيل»، ودراسة تأثير الصراع بشأن «إسرائيل» على المجتمعات اليهودية، والمنظمات اليهودية الوطنية، واللوبي المؤيد ل«إسرائيل».
يضع واكسمان هذا الصراع في سياق التغيرات الثقافية والسياسية والمؤسسية والديموغرافية الأوسع التي تحدث في المجتمع اليهودي الأمريكي. يقدم رواية دقيقة ومتوازنة عن كيفية تطور هذا الصراع على «إسرائيل» وما يعنيه هذا لمستقبل السياسة اليهودية الأمريكية.
بالاستناد على استطلاعات الرأي، يشير واكسمان إلى وجود فجوة بين اليهود الأكبر سناً (الذين هم فوق سن الخمسين) وبين اليهود الأصغر سناً الذي يعتبرون أقل دعماً للسياسات «الإسرائيلية». في عام 1990، لاحظ المؤرخ الشهير للصهيونية، الحاخام آرثر هيرتزبيرج، أن اليهود الأمريكيين يمكن تقسيمهم إلى مجموعتين أساسيتين على طول الانقسام «الإسرائيلي»: مجموعة مسنة تتجه إلى اليمين، ومجموعة أصغر سناً وأكثر تحرراً، تتخلّى عن المنظمات اليهودية. ويعلّق واكسمان على ذلك قائلاً: «إن حقبة الدعم الأمريكي اليهودي الأمريكي ل«إسرائيل» مضت عليها الآن فترة طويلة.»
ويقول: إن اليهود الأصغر والأكثر تحرراً الذين أصبحوا معزولين بشكل متزايد عن الجالية اليهودية المنظمة ومن «إسرائيل»، «مدفوعون ليس فقط بالتغيرات في «إسرائيل» وفي الصراع «الإسرائيلي» – الفلسطيني… ولكن أيضاً بالتغيرات داخل المجتمع اليهودي الأمريكي. هذه القوى تشمل الاستيعاب، والعلمانية، والتأكيد على التقليد النبوي اليهودي، والذي هو، بالنسبة للكثيرين، على خلاف مع الاحتلال «الإسرائيلي» والاستيطان في الضفة الغربية.
باختصار، لا يشارك العديد من اليهود الأمريكيين الأصغر سناً كبارهم في تبجيل الدولة اليهودية، ولا يشعرون بأن له علاقة بالانتقادات الموجهة إلى السياسات والأفعال «الإسرائيلية». إذا تم تجاهل آراء هذا الجيل الأصغر وإخراس أصواتهم، يحذر واكسمان من أنهم سوف يبتعدون ببساطة، كما فعل الكثيرون بالفعل.
بين التشدّد والانفتاح
يركز الفصل الثاني من الكتاب على التغير الحاصل في علاقة اليهود الأمريكيين مع «إسرائيل» من حالة دعم لا مشروط إلى ارتباط حرج. يناقش فيه الكاتب نمو المعارضة اليهودية تجاه أفعال «إسرائيل» والأسباب الحقيقية وراء ذلك. كما يصف ردّ الفعل الغاضب من اليمين ضد المعارضة والجدل المتنامي بين اليهود الأمريكيين بشأن شرعية المعارضة. وفي نهاية الفصل ينظر إلى كيفية التعامل الذي لقيته المجموعات اليهودية المعارضة من سنوات السبعينات إلى اليوم الحاضر من الجالية اليهودية الأمريكية المنظمة، وذلك في سعي من الكاتب للإجابة عن سؤال إذا ما كانت هذه الجالية اليهودية تصبح أكثر انفتاحاً وتسامحاً إزاء المعارضة بشأن «إسرائيل».
يشير الكاتب إلى أن اليهود الذين ينتقدون «إسرائيل» يتعرضون بشكل مستمر إلى الإدانة من قادة المنظمات الذين يعتقدون أن المعارضة تبرهن على عدم الوحدة والافتقار إلى العزيمة، وتمكين أعداء «إسرائيل» بحسب ما يتحدث الكاتب. كما أن اليهود الذين لا ينسجمون مع مواقف اللوبي «الإسرائيلي» يُصنفون في الأساس على أنهم غير موالين. مثال على ذلك: في السبعينات من القرن الماضي، قامت المؤسسة اليهودية الحاكمة بتشويه سمعة مجموعة سلام صهيونية أطلقت على نفسها اسم بريرا (التي تعني «هناك خيار» باللغة العبرية) لحثها «إسرائيل» على التفاوض من أجل السلام مع منظمة التحرير الفلسطينية.
ومن الأمثلة الأخرى، تم منع «جي ستريت» المنظمة الليبرالية من العضوية في مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الكبرى بسبب دعوتها القيادة الأمريكية لتعزيز دورها من أجل إنهاء الصراع العربي – «الإسرائيلي» والقضية الفلسطينية بطريقة سلمية ودبلوماسية، وهذا المنع جاء لأن موقفها يتعارض مع سياسات حكومة اليمين «الإسرائيلي»، رغم أن هذه المنظمة هي البديل التدريجي للجنة الشؤون العامة الأمريكية – «الإسرائيلية» التي تسمى اختصاراً «أيباك» في واشنطن العاصمة. انتقد مؤسس المنظمة، جيريمي بن عامي، ما أسماه حملة قمع ضد المنشقين اليهود قائلاً: «في جميع أنحاء البلاد، يضطر الحاخامات ومديرو هيليل (أكبر منظمة يهودية جامعية في العالم) وغيرهم من القادة التنظيميين إلى التفكير فيما إذا كانوا يستطيعون أو يريدون التعامل مع الصداع، التشهير، والنقد، من الأصوات المحافظة في المجتمع قبل أن يفكروا في إعطاء منصة للآراء خارج خط الحزب».
ويشير واكسمان إلى أن الحجج المحيطة ب«إسرائيل» تدل أيضاً على الاستقطاب المتزايد لليهود الأمريكيين بين المتشدّدين وغير المتشددين منهم على قضايا مثل طبيعة الدولة اليهودية، والوضع النهائي للمستوطنات في الضفة الغربية، وحدود «إسرائيل».
علاقة متأرجحة
يستطلع الفصل الثالث الجدل المتصاعد، وعلى وجه الدقة، النقاش الحاد بشأن «إسرائيل» والذي يثار ضمن الجالية اليهودية الأمريكية. ويتناول الكاتب المعسكرات اليهودية الأمريكية المختلفة على سلوكيات «إسرائيل»، وعلى وجه التحديد على مسألة الصراع الفلسطيني -«الإسرائيلي» الذي يشكل جوهر النقاش. ويؤكد على الاختلافات التي كانت في الماضي وفي الوقت الراهن. من خلال ذلك، يوضح كيف أن الجدل اليهودي الأمريكي قد أصبح لاذعاً في السنوات الأخيرة. وينتهي الفصل بنقاش تأثير الانتقادات القاسية على العديد من المجتمعات اليهودية في أرجاء الولايات المتحدة، ويصف كيف أن «إسرائيل» أصبحت نقاشاً مملوءاً بالمخاطر في المجتمعات اليهودية المحلية، وظهرت مبادرات من المنظمات للتشجيع على نقاشات مثمرة، لأن النقاشات الحادة بشأن «إسرائيل» وموقفها تهدّد بإحداث تمزق كبير في المجتمعات اليهودية.
يحلّل الفصل الرابع الرأي العام اليهودي الأمريكي بشأن الصراع الفلسطيني – «الإسرائيلي»، وبالاعتماد على استطلاعات الرأي العديدة التي أجريت خلال العقود الثلاثة الماضية، يحلل الكاتب آراء اليهود الأمريكيين حول الصراع، ويحدد الاتجاهات الرئيسة في الرأي اليهودي الأمريكي العام، متسائلاً إذا ما أصبح اليهود الأمريكيون «مسالمين» أو «عدائيين» أكثر في آرائهم، وإذا ما كانوا يشهدون حالة من الاستقطاب. ويؤكد أن الإجماع السياسي الكبير الذي كان موجوداً ذات يوم بدأ يتآكل ببطء، على الرغم من أنه لم يختفِ بشكل كامل. ويشير إلى حقيقة أن الشباب اليهود الأمريكيين العلمانيين والليبراليين من الجيل الأصغر آراؤهم معتدلة تطالب بوضع حلّ سلمي للنزاع القائم أكثر من اليهود الكبار والمحافظين والمتدينين منهم.
ويعاين الفصل الخامس اللوبي اليهودي الأمريكي المؤيد ل«إسرائيل»، والذي يعتبر بشكل عام من أكثر جماعات الضغط تأثيراً في واشنطن العاصمة. وبعد وصف تطورها التاريخي، يركز على منظمة «أيباك» ومؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى، ويناقش التغيرات الكبرى التي حدثت في مسألة تأييد «إسرائيل»خلال السنوات الأخيرة. وهذا بدوره أدى إلى انشقاق في جماعة الضغط المؤيدة ل«إسرائيل». كما فرض الأمر تحدياً على المجموعات المركزية في عدم القدرة على التحدث بشكل شامل نيابة عن اليهود الأمريكيين، كما أنه لم يعد هناك من معنى واحد لجماعة تعرف نفسها أنها مؤيدة ل«إسرائيل».
ارتباط عاطفي مع «إسرائيل»
يتوقف الكاتب في الفصل السادس عند النقد الحالي للمؤسسة السياسية اليهودية الأمريكية والتحديات التي تواجهها اليوم، حيث يصرح منتقدوها بأنها لم تعد تمثل اليهود الأمريكيين، كما لا تعبر عن آرائهم الحقيقية بشأن «إسرائيل». يرى الكاتب أن المشكلة الحقيقية مع المؤسسة السياسية اليهودية الأمريكية ليست هي مسألة أنها لم تعد تمثل اليهود الأمريكيين بالكامل، بل هي أنها تمثل فئة صغيرة من اليهود الأمريكيين.
يضع الكاتب في الفصل السابع النزاع اليهودي- الأمريكي بشأن «إسرائيل» في سياق عملية استقطاب أوسع بين اليهود المتشددين وغير المتشددين. ويشير إلى أن الانقسام بين المتشددين وغير المتشددين في آرائهم المتعلقة بالصراع الفلسطيني – «الإسرائيلي» هو في حقيقته جزء من انقسام ثقافي وسياسي أوسع بين مجموعتين. علاوة على ذلك، الاتجاهات الديموغرافية والثقافية – الاجتماعية ضمن المجتمع اليهودي الأمريكي تشير إلى أن هذا الانقسام على الأرجح يسير في النمو إذ إن غير المتشددين منهم أصبحوا علمانيين أكثر، وأقل «قبائلية» ويقل ارتباطهم العاطفي مع «إسرائيل» على مر الزمن. وفي الوقت الذي لا يمكن أن يؤثر فيه هذا على الدعم اليهودي الأمريكي الشامل ل«إسرائيل» في المستقبل – لأن اليهود المتشددين، الذين يبقون على ارتباط قوي مع «إسرائيل» يمتلكون النفوذ – ولكنه في الحقيقة يقلل من التماسك المستقبلي للمجتمع اليهودي الأمريكي.
ويقول الكاتب إنه بالرغم مما تفيده استطلاعات حديثة في أن الجيل الأصغر يرتبط بعلاقة عاطفية ب«إسرائيل»، لكنهم غالباً ما يكونون متعارضين مع الإجراءات السياسية للحكومة «الإسرائيلية» فيما يتعلق بالفلسطينيين. ويقترح واكسمان أن العلاقة الحاسمة لكن النشطة مع «إسرائيل» يمكن أن تساعد في إحداث تغييرات في السياسة «الإسرائيلية» إذا ما لجأ القادة اليهود الأمريكيون وصانعو السياسة «الإسرائيليون» إلى الإصغاء بدلاً من الرفض. إذا حدث ذلك، كما يقول، فإن «الصراع بين اليهود في الولايات المتحدة بشأن «إسرائيل»، رغم أنه مسبب للانقسامات وكثيراً ما يكون شديد القسوة، قد يكون مثمراً». وبالتالي يؤثر على شكل الصراع القائم، ويدفع الأمور باتجاه السلام أكثر.
نبذة عن الكاتب
دوف واكسمان أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية والدراسات «الإسرائيلية»، وأستاذ الدراسات التاريخية والثقافية اليهودية بجامعة نورث إيسترن. وهو أيضاً المدير المشارك لمركز الشرق الأوسط بجامعة نورث إيسترن. وهو خبير في شؤون «إسرائيل»، تركز أبحاثه على الصراع «الإسرائيلي»- الفلسطيني، والسياسة الخارجية «الإسرائيلية»، والعلاقات الأمريكية-«الإسرائيلية»، وعلاقة اليهود الأمريكيين مع «إسرائيل». حصل على شهادتي الدكتوراه والماجستير من جامعة جونز هوبكنز والبكالوريوس من جامعة أكسفورد. وقد سبق له التدريس في جامعة سيتي في نيويورك، وكلية بودوين، وجامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة( تركيا)؛ وكان زميلاً زائراً في جامعة «تل أبيب»، وجامعة «بار إيلان»، والجامعة العبرية في القدس، وجامعة أكسفورد. كما عمل باحثاً في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة. وهو مؤلف لثلاثة كتب: السعي إلى السلام وأزمة الهوية «الإسرائيلية»: الدفاع عن الدولة وتعريفها«(2006)؛ «الفلسطينيون -«الإسرائيليون»: الصراع في الداخل» (مع إيلان بيليج، 2011)، وهو معلق مستمر في وسائل الإعلام بكافة أشكالها.