اغتراب مزمن
خيري منصور
معظم المقاربات المنشورة باللغة العربية عن اغتراب المثقف، تعاني حلقة مفقودة، لكن ليس بالمعنى الدارويني المعروف عن نظرية التطور العضوي، بل بالمعنى الاجتماعي الذي لا ندري لماذا يتم تجاهله في مثل هذا السياق ما دام هناك ما يسمى العقل الجمعي وما يفرزه من أعراف وتقاليد تتجاوز أحياناً في نفوذها القوانين المدونة.
وحين كتب مفكران عربيان على الأقل عن هذا الاغتراب هما، هشام شرابي وحليم بركات، رصدا أعمالاً أدبية ونصوصاً عكست شعور المثقف بالاغتراب، لكن المادة الخام التي نسجت منها تلك النصوص بقيت في نطاق المسكوت عنه، وذلك إما تهرباً من مواجهة المجتمع أو تجنباً لذكر الأسباب والعوامل التي أدت إلى الاغتراب.
فالمثقف العربي يفكر ألف مرة ويعمل ألف حساب لأية فكرة تخالجه ويتصور أنها ستكون صادمة لما هو تقليديي ومألوف، خصوصاً بعد المصائر التي انتهى إليها مثقفون ذهبوا حتى نهاية الطريق، وخذلهم حتى زملاؤهم ممن تعلموا السباحة على السرير أو التراب وليس في الماء!
فالكلام التجريدي العام سهل علينا جميعاً، لكن التخصيص والتحديد لهما ثمن قد يكون باهظاً، خصوصاً إذا تعرضت بعض النصوص للتقويل وليس التأويل من قبل فقهاء الوشاية والصيادين في الماء العكر!
فهل كان أحد أسباب اغتراب المثقف العربي أنه تطور بمفرده وبشكل عصامي بعيداً عن الحراكات العامة لمجتمعه والمحيط الذي يعيش فيه؟
نرجح ذلك بسبب التفاوت الشديد في قراءة الواقع بين النخب من مثقفين وأكاديميين وبين أغلبية الناس، وهنا أتذكر عبارة للعالم الجيولوجي فاروق الباز، قال فيها، إن الجامعات الأمريكية التي درس فيها الجيولوجيا لم تكن تهتم بالصحراء وشجونها، واعترف أنه اعتمد على نفسه كي يقدم حلولاً علمية لمشكلات صحراوية في مصر والعالم العربي!
ما قاله الباز عن الجيولوجيا يستطيع أي مثقف عربي أن يكرره، لكن عن السايكولوجيا والسوسيولوجيا!