الأزمة الكورية.. انفراج طال انتظاره
محمود الريماوي
لا شك أن قيام مسؤول في كوريا الجنوبية هو مستشار الأمن القومي، بالإعلان عن لقاء قمة أمريكية كورية شمالية، يحمل دلالة كبيرة. فتسهيل الطريق أمام عقد لقاء يجمع الرئيس دونالد ترامب، بالزعيم كيم جونج أون، ما كان ليتم، لولا أن الأجواء قد تحسنت ما بين عاصمتي كوريا: سيؤول وبيونج يانج، وحيث المشكلة الكورية تبدأ هنا: في انقسام شبه الجزيرة الكورية إلى شطرين بدولتين، وهو الأمر القائم منذ عام 1953. وطوال العام الفائت لعبت اليابان وكوريا الجنوبية من جهة، وروسيا والصين من جهة ثانية، أدواراً كبيرة في محاولة نزع فتيل التوتر العالي بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، فهذه الأطراف مجتمعة ومنفردة متضررة من تصعيد الخلافات لأسباب متباينة، من بينها أن اليابان وكوريا الجنوبية ستكونان في مرمى أي اندفاع عسكري من كوريا الشمالية، بينما روسيا والصين تجتهدان بألاَّ تنفرد الولايات المتحدة عبر حلفائها بتقرير الأمور في ذلك الجزء من آسيا، وبما يُديم قدراً من أوجه الصداقة والتعاون رغم الخلافات بين كل من بكين وموسكو من طرف، وبيونج يانج من طرف آخر.
والبادي أن الأزمة الناجمة عن الطموحات في التسابق النووي، وعن السعي الأمريكي للانفراد بتقرير الأمور، وُضعت على سكة الحل، مع الإعلان عن مايو المقبل موعداً لقمة ترامب وجونج أون من دون تحديد مكان اللقاء حتى تاريخه. ومجرد الاتفاق على عقد اللقاء بالتوازي مع إعلان بيونج يانج وقف تجاربها النووية، يمثل نقلة نوعية تنزع فتيل أخطر أزمة عالمية من نوعها؛ إذا إن الأمر لم يقتصر على تهديدات بمواجهة عسكرية، بل جرى التلويح باستخدام أسلحة نووية، وبأزرار في متناول يد كل من الزعيمين ترامب وجونج أون.
والراجح أن مراجعة قد تمت في بيونج يانج دفعت بهذا الاتجاه، فكوريا الشمالية تعاني عزلة خانقة، وصداقة روسيا والصين معها مشروطة بحسن السلوك النووي وعدم الانفراد بمسألة تهم الأمن الدولي، ويعاني شعبها ضائقة معيشية مع إغلاق فرص التنمية نتيجة العقوبات الدولية (مجلس الأمن) والغربية والأمريكية، وبسيطرة الاقتصاد المركزي الذي لا يتيح فرصاً لنمو القطاع الخاص.
إن دفئاً ما قد سرى في العلاقات بين الشقيقين اللدودين منذ مشاركة كوريا الشمالية في دورة الألعاب الشتوية الأخيرة في كوريا الجنوبية، ويشهد على الدفء الساري، ما تم من اتفاق على عقد قمة تجمع الزعيمين الشمالي كيم جونج والجنوبي مون جاي إن، في أبريل المقبل، مع الاتفاق المسبق على استحداث خط ساخن بين الزعيمين.
ومن المنتظر أن يشهد لقاء القمة الكوري الشمالي الجنوبي، دفعة إلى الأمام في تطبيع علاقات الجانبين، استدلالاً بما يبديه الطرفان حالياً من حسن نوايا، ومن تطلع إيجابي إلى المستقبل.
ومن شأن التقدم على هذا الطريق إزاحة واحدة من أكبر المشكلات وأشدها حساسية على المستوى الدولي، وهو ما جعل الدول النووية الثلاث؛ الولايات المتحدة وروسيا والصين، تلتقي على أهمية وضع حد لها، وإن بمقاربات مختلفة، إلى أن وقعت المفاجأة ببدء تصدع جدار القطيعة بين الكوريتين، وتحقيق تفاهمات أولية لكنها ذات شأن بينهما، بما يدلل على أن الحلول ليست دائماً بأيدي الكبار على المستوى الدولي، بل بأيدي الأطراف المعنية والمتضررة بصورة مباشرة، وهذا هو حال الكوريتين.
من حق الكوريين في الشطرين أن يتفاءلوا الآن، ومن واجب زعمائهم عدم خذلانهم.
mdrimawi@yahoo.com