«الإبراهيمي» وحصار الاستيطان
علي قباجه
الذي يزور الحرم الإبراهيمي في الخليل يلمس درجة التغول «الإسرائيلي» على المقدسات الإسلامية، فالحرم تحوّل إلى ثكنة عسكرية يحيطه مئات الجنود المدججين وينتهك خصوصيته آلاف المستوطنين الذين ينشرون دنسهم في أرجائه، ويمنعون مآذنه من رفع تكبيراتها، والمصلين من أداء عبادتهم في مسجدهم، وليس أخيراً نصب خيام استيطانية في ساحاته، ليضيفوا احتلالاً آخر إليه وبحماية من حكومة نتنياهو اليمينية الأشد تطرفاً.
الحرم الإبراهيمي هو أكبر شاهد على نوايا الاحتلال الساعية إلى طمس الحقائق التاريخية والدينية للفلسطينيين، وليس ذلك فقط، بل والقيام بسرقتها ونسبها إليهم والادعاء بأنها أماكن مقدسة لهم، ضاربين بالحقائق الدامغة التي تثبت كذبهم عرض الحائط. وما تجرؤ المستوطنين مؤخراً على نصب خيامهم إلا تكريس لسياسات الضم والسيطرة تحت غطاء ديني لا أساس له.
هذا الحرم شهد الكثير من صنوف التنكيل الهادفة للسيطرة عليه كاملاً بزعم أنه ثاني الأماكن المقدسة لليهود، فمن فرض التقسيم الزماني والمكاني بين المسلمين واليهود، مروراً بمجزرة الحرم عام 1994 التي راح ضحيتها عشرات المصلين بين شهيد وجريح، وليس انتهاء بضم محيط المنطقة وإنشاء مستوطنات جديدة وفرض إدارة الاحتلال عليها، في حين أن التهجير القسري لأهل المنطقة يتواصل، لإفساح المجال للمزيد من المستوطنين، وغيرها الكثير، ليبلغ عدد الاعتداءات ما يزيد على 1250 اعتداء منذ عام 1967.
أرض الأنبياء، يعقوب وإبراهيم وإسماعيل، عليهم السلام، تتعرض لأبشع مؤامرة «إسرائيلية»، والقليل الذي بقي للفلسطينيين فيها معرض للمصادرة، فالمسجد تمنع الصلوات فيه في كثير من الأحيان، وتجبر المآذن على إسكات ندائها، وهو ما يستدعي من أصحاب التأثير في العالم العربي والإسلامي الضغط لاستعادته، لأنه لا يقل أهمية عن المسجد الأقصى المبارك الذي يحاول الاحتلال اليوم نقل تجربة الحرم الإبراهيمي إليه.
ما يترتب اليوم هو كسر الاستئثار اليهودي بالحرم، ولا بد من أن تبادر السلطة الفلسطينية إلى تسليط الضوء عليه، وتعظيم الاهتمام الإعلامي به، والسعي سياسياً لدفع المنظمات الدولية لاعتباره مكاناً مقدساً تاريخياً خالصاً للمسلمين ولا يجوز للمستوطنين ومن يقف وراءهم التصرف به، أو فرض الأمر الواقع عليه، وضمه بناء على نبوءات كاذبة.
كل المقدسات الإسلامية في فلسطين معرضة للتدمير والتهويد، والقوانين الاحتلالية تطبق على قدم وساق لفرض الرقابة عليها، ومنع المسلمين من أداء أبسط حقوقهم في العبادة. وبهذا فإن الرفض الداخلي وزيادة وتيرة الانتفاض قد يشكلان رادعاً لحكومة نتنياهو، في حين أن الدور العربي لا بد أن يتجاوز بيانات الاستنكار إلى الفعل.
aliqabajah@gmail.com