الإرهابيون أم الإرهاب؟
خيري منصور
السؤال الذي يفرض نفسه في العديد من المناسبات ذات الصلة بالإرهاب والحرب عليه هو، هل يعني القضاء على الإرهابيين استئصال الإرهاب ذاته، أم أن الإرهاب شأن ظواهر أخرى في التاريخ كالجريمة وإعاقة التطور شر يواصل إفرازاته السامة؟
والإجابة عن سؤال كهذا تقتضي بالضرورة التفريق بين الإرهاب والإرهابي رغم أنهما من سلالة لغوية واحدة، فالإرهاب فكرة مجردة، والإرهابي من لحم ودم، ولهذا يمكن القضاء على الإرهابي جسدياً، لكن الإرهاب كثقافة مضادة للتاريخ لا يمكن قتله بالرصاص فقط، لأن مقاومته تتطلب استخدام سلاح فكري، يجفف منابعه، سواء كانت ثقافية أو مالية، وإذا كان القضاء على المجرمين لم يؤد إلى القضاء على الجريمة، فإنه على الأقل يحاصرها ويجهضها، ويضعف دوافعها وأدواتها، لهذا تكون مجابهة الإرهاب على مستويين؛ أحدهما مباشر وبإيقاع سريع، والآخر غير مباشر وبإيقاع أبطأ وبالطبع لا توجد قطيعة بين الأسلوبين، فهما أولاً في حالة تزامن، وثانياً في علاقة جدلية بحيث يصبح مثيراً للسخرية من يتصور أن أسلوب المجابهة غير المباشرة وذات الأسس التربوية والثقافية هو الأجدى، وبالتالي تكون له الأولوية!
والعكس صحيح أيضاً، ففي الوقت الذي تجري به المجابهة ميدانياً وعسكرياً، يواصل الأسلوب الآخر دوره بمنهجية تخاطب العقل والوجدان معاً، رغم أن ما يقوله علم النفس في هذا السياق لا يدعو إلى التفاؤل بتوبة من مارس الإرهاب واستمرأ القتل ورائحة الدم، لهذا لا بد من إعادة تأهيل من تورطوا في مثل هذه الممارسات، لأنها شوهت فطرتهم الإنسانية وأحرفت طبيعتهم، ومنهم من يشعر بالبطالة إذا لم يواصل العنف، لأن من أسوأ إفرازات ثقافة الموت تحويل الإنسان إلى كائن سادي، إن لم يجد سبباً إيديولوجياً لممارسة القتل، يقتل من أجل القتل فقط!
وإذا كان لأسلوب المجابهة الميدانية للإرهاب مردود مرئي ومباشر، فإن مردود الأسلوب الآخر قد لا يكون مرئياً في اللحظة الراهنة، لكنه بالغ الفاعلية على المدى الأبعد!