الإرهاب وجراحة استئصاله

خيري منصور
ما كان لأي إرهاب أن يتفاقم لو تم الكشف عنه مبكراً شأن المرض العضال. ورغم ضرورة استخدام المضادات التربوية والثقافية للحد من تعاظم الإرهاب إلا أن هناك مرحلة لا بد أن تستدعي الجراحة الواسعة التي تستهدف استئصاله من الجذور، رغم أن هناك أفكاراً شائعة حول الأخطار التي قد تنجم عن جراحة بعض الأمراض. وما يحدد منسوب الإرهاب وجرائمه ليس فقط ما يقع منها ميدانياً، لأنه أحياناً يمتلك استراتيجية بالغة الغموض والخبث، بحيث يدخر من الاحتياطات ما هو أشد فتكاً، تماماً كما يحدث حين يتزامن انفجاران، أو يعقب أحدهما الآخر بهدف حصد المزيد من الضحايا الأبرياء.
والإرهاب بدأ يتغذى من المبيدات اللفظية والإعلامية، تماماً كالذباب الذي توصل العلماء إلى أنه يتغذى من مادة «دي.دي.تي» بعد أن تأقلم معها.
لكن هذا لا يعني أن الحرب على الإرهاب تكون على جبهة واحدة فقط هي المواجهة، فالجبهات الأخرى وفي مقدمتها الجبهة الثقافية بالغة الأهمية، لأنها تعمل على المدى غير المنظور، وتجهض برامج ومخططات شيطانية من خلال إنقاذ ما يمكن إنقاذه ممن يسعى الإرهابيون إلى اصطيادهم، وأدلجتهم وتجريف وعيهم كي يتحولوا إلى أدوات لا أكثر ولا أقل، ففي التنظيمات التي تتأسس على العنف وثقافة الكراهية والانتقام الأعمى لا مجال لأية مناقشة، فثمة من يصدر الأوامر وثمة من يتولى تنفيذها بحذافيرها، وربما لهذا السبب يصبح الحوار متعذراً مع الذين غسل التطرف أدمغتهم وأفرغ ذاكرتهم!
وأحياناً تؤدي جراحة الإرهاب دوراً في كسب الوقت، خصوصاً إذا كانت هناك عمليات استباقية تبطل مفعول العمليات، تماماً كما أن الدور الفاعل للأمن يتلخص في منع وقوع الجرائم وليس فقط الكشف عنها بعد فوات الأوان.
والمرحلة التي بلغها الإرهاب الآن لا تعالج بالمبيدات اللفظية أو التجريم الإعلامي فقط، لأنها مرحلة تمدد فيها الوباء وتعددت مصادر تغذيته وتسليحه، بحيث أصبحت الجراحة الاستئصالية حلاً وليس مجرد خيار، لأنه ما من يوم يمرّ لا تتضمن فيه نشرات الأخبار عدداً من ضحايا الإرهاب الأبرياء!