غير مصنفة

الابتزاز الأمريكي للفلسطينيين

علي جرادات

لم تُفصِح الإدارة الأمريكية بعد عن مضامين ما بات يُعرف ب«صفقة القرْن» لحل الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي». لكن تسريبات الصحافة «الإسرائيلية»، تشير إلى أن ثمة تطابقاً جوهرياً بين ما ستطرحه الإدارة الأمريكية ومطالب أشد حكومات الاحتلال تطرفاً وأيديولوجية وعنجهية. كيف لا؟ وقد بدأ الضغط الأمريكي ينهال على منظمة التحرير الفلسطينية لقبول الخطة الأمريكية الموعودة قبل إعلانها، وفي ظل تأكيد المسؤولين الفلسطينيين أن أحداً لم يطلعهم، بصورة رسمية، على خطوطها العامة.
هذا يعني؟ ثمة محاولة أمريكية لبيع الفلسطينيين «سمكاً في البحر»، أي زجهم مكرهين في مسار تفاوضي غرضه إيجاد «حل إقليمي»، يتجاوز جوهر الصراع( القضية الفلسطينية)، وتصفيتها من كل جوانبها.
لقد كشف الشق العلني من الابتزاز السياسي الأمريكي للفلسطينيين يوم السبت الماضي، مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية، حيث أعلن: «أن قانوناً أجازه الكونغرس يمنع الوزير، ريكس تيلرسون، من تجديد الترخيص لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية، في ضوء تصريحات معينة أدلى بها الزعماء الفلسطينيون بشأن المحكمة الجنائية الدولية»، في إشارة إلى ما قاله الرئيس الفلسطيني، عباس، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة،: «إن السلطة الفلسطينية دعت المحكمة الجنائية الدولية إلى فتح تحقيق قضائي مع المسؤولين «الإسرائيليين» حول الاستيطان والاعتداءات على الشعب الفلسطيني».
أما الدافع السياسي الأبعد، هنا، فكشفته، يوم الأربعاء الماضي، المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأمريكية، هيذر هاورت، في مؤتمر صحفي، حيث قالت: «إن حكومتها ترغب بأن تتمكن منظمة التحرير الفلسطينية من الحفاظ على مكتب بعثتها مفتوحاً». وأضافت «ما يمكنني أن أقوله لكم هو أننا نستمر في تعاملنا واتصالاتنا مع السلطة الفلسطينية بشأن مكتب منظمة التحرير، ولدينا، (وهنا بيت القصيد)، مناقشات أوسع حول مسائل أخرى تتعلق بالتسوية السلمية».
لا عجب. فتعهد الرئيس الأمريكي، ترامب، في بداية عهده، بنقل مقر السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى القدس، لم يكن، حتى وإن تم تأجيل تنفيذه، سوى فاتحة لما يواجهه الشعب الفلسطيني اليوم، في السر والعلن، من ابتزازات ومواقف أمريكية معادية، وغير مسبوقة، حتى مقارنة بمواقف الإدارات الأمريكية السابقة.
يقول رئيس حكومة الاحتلال، نتنياهو، في معرض ثنائه على خطوة عدم التجديد لمكتب بعثة منظمة التحرير في واشنطن: «لم يكن، ولن يكون، هنالك رئيساً أمريكياً أكثر ودية بالنسبة ل «إسرائيل» من الرئيس دونالد ترامب».
لكن، في الحالات كافة، يبدو أن الرئيس ترامب ومبعوثيه للمنطقة، (وهم يهود متدينون يعتمرون القبعات)، لا يصغون، كما ينبغي، حتى لمقاربات وزارتيْ الخارجية والدفاع الأميركيتيْن حول حقائق الصراع، وكأنهم يعتقدون، (عن جد)، أن الشعب الفلسطيني يمكن أن يقف مكتوف اليدين، ولا يهب لإحباط أية محاولة لتصفية قضيته، بل كأنهم يعتقدون بأنهم سيجدون قادة فلسطينيين، وأياً تكن درجة مرونتهم، يمكن أن يقبلوا، أو أن بوسعهم حتى لو أرادوا، تمرير أية خطة لتصفية القضية الفلسطينية.
على أية حال، يجدر التذكير بأن الابتزاز السياسي الأمريكي الحالي للفلسطينيين سيجني، اتصالا بفرط عنجهيته، عكس ما أراد، وسيدفع مقدمات إنهاء الانقسام الفلسطيني واستعادة الوحدة الوطنية قدماً. بل، وسيدفع، تقدم الأمر أو تأخر، محركات المواجهة السياسية والشعبية الفلسطينية مع الاحتلال، وما أكثرها، نحو مرحلة جديدة للنضال الوطني الفلسطيني، خاصة وأن الرهانات الفاشلة والمدمرة على الرعاية الأمريكية لربع قرْن من مفاوضات «مدريد أوسلو»، قد استنفذت نفسها، ولم تحقق حرية واستقلالاً، ولا أوقفت استيطاناً أو عدواناً. هكذا قالت التجربة حسب الحقائق على الأرض، وليس حسب وجهة نظر التحليلات المناهضة لتلك الرهانات، فقط. هذا عدا أن الإدارة الأمريكية التي تتبنى كامل طموحات حكومة الاستيطان والتهويد، بقيادة نتنياهو، لا تأخذ، (أي الإدارة الأمريكية)، في الحسبان أن العالم لم يعد أُحادي القطبية، كما كان بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في مطلع تسعينات القرن الماضي، فقد تشكل بتدرج عالم متعدد الأقطاب، يمكن للفلسطينيين، في حال انفجار مرجلهم أن يستفيدوا منه. أما أن القطب الأمريكي لا يزال القطب الأقوى، فصحيح، إنما من دون نسيان أن الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت مقدماتها بأزمة مالية أمريكية، عام 2008، لم تستنزف العالم بأكثر من 30 تريليون دولار، فقط، بل أوصلت مديونية الولايات المتحدة إلى 17 تريليون، ومديونية أوروبا إلى أكثر من 10 تريليون دولار، أيضاً.

ali-jaradat@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى