الاستدراجُ الأمريكيُّ لروسيا
محمد سعيد القبيسي
يبدو جلياً بأنَّ هناك تغيراً جذرياً لموازين القوى في منطقة الشرق الأوسط وسياسة ملء فراغ أخذت من خلالها روسيا دور الولايات المتحدة و التي فضلت عدم إقحام نفسها في صراعات المنطقة
الأحداث الجارية في منطقتنا العربية حيرت مختلف المحللين السياسيين فهي غير مترابطة ولا متوقعة، ففي الوقت الذي توقع الكثير منهم قرب سقوط نظام بشار ،إذا بهم يفاجؤون بالتدخل الروسي والشروع في بناء القواعد العسكرية الروسية و التي تم تشييدها بحجة محاربة الإرهاب و تنظيم مايسمى بداعش بل ومن أول ضرباتها تبين بشكل لا يضع مجالاً للشك بأنها لحمايةِ نظام بشار ، حيثُ كانَت أولى ضرباتها تستهدف جماعاتٍ معارضة أخرى، منها بعضٌ تحصَّلَ على دعمٍ أميركي.
ولو نرجع بالسنوات قليلا إلى الوراء نجدُ أنَّ الولايات المتحدة لم تستطع الهيمنة على الشرق الأوسط وبالأخص منطقة الخليج وبناء علاقات قوية ومتينة مع دوله إلا عبر مسلسل التهديدات الذي صورته لهم من العراق وإيران ، بل واستطاعت أن تدمِّرَ العراق وأن تجعل منه دولة متهالكة إلى اليوم بسبب افتعالها لحروب داخلية و إذكائها لخلافات دينية طائفية بين أبناء الوطن الواحد، بل وأصبح لقمة سائغة للتدخل الإيراني فيه، وبالتالي أصبح لا يشكل أي خطر يذكر، ليس على الخليج كما ذكرت بل وعلى الابنة المدللة إسرائيل .
من جهة أخرى كان بإمكان الولايات المتحدة أن تبقي على علاقة قوية مع دول الخليج ، بل وأن تعزز من قوتها لولا السياسة التي تبناها أوباما قبل مغادرته كرسي الرئاسة في البيت الأبيض والتي يعتقد على ما اظن بأنه سيحصل من خلالها على جائزة نوبل للسلام لتوقيعه اتفاقية النووي الإيراني، والتي كما يرى أنها ستعمل على كبح طموحات إيران في امتلاك اسلحة نووية، ولكن هذه الاتفاقية للأسف يبدو بإنها ستكون كما يقال القشةَ التي قصمتْ ظهرَ الجمل.
لقد أدركت دول الخليج بأن حليفها الرئيسي قد بدأ يتحول أو يغير من توجهاته معها ، وأصبح عِوضاً عن ذلك يغازل إيران على حسابها، فدفعها هذا إلى بناء تحالف فيما بينها والقيام بتقوية علاقاتها مع دول أجنبية أخرى لتعزيز هذا التحالف، وبناء على ذلك وفي عملية ضغط أو تخويف لدول الخليج أعلنت الولايات المتحدة بإنها ستسحب أخر حاملة طائرات متواجدة في الخليج، وبذلك سيخلو الخليج العربي من أي تواجد أمريكي منذ العام 2007 ، ولا أظن بأن هذه الحيلة ستنجح بل ستزيد من الجفاء والبعد وهو ما لا يصب في مصلحة الولايات المتحدة بأن تتوتر علاقتها مع دول الخليج و أتوقع أنها ستتدارك الأمر و ستتراجع عن هذا القرار.
وبالعودة إلى روسيا وابتلاعها للطعم والاستدراج الأمريكي لها للتواجد في سوريا، فقد هيأت الولايات المتحدة كل الظروف المناسبة لذلك عبر ادعائاتها بالتخلي عن المعارضة السورية وتسليحها وتدريبها، بالاضافة لطلب النظام السوري للتواجد الروسي في للقضاء على الارهاب وحمايته من السقوط، وهو الأمر الذي جعل الروس يتسابقون لبناء قواعدهم العسكرية في سوريا والتمكن من فرض نفوذهم والعمل على ضرب كل مايهدد سقوط النظام.
بعدها وبعد الانتهاء من التواجد الروسي هناك ستقوم الولايات المتحدة اثر ذلك بتسليح المعارضة السورية بأسلحة امريكية تفوق تكنولوجيا الاسلحة الروسية بكثير، وكما هو معلوم بإن الاسلحة الروسية معروفه ب (Quantities without Quality) اي بمعنى كثرة عددها وافتقارها للجودة عكس الاسلحة الامريكية التي تتسم ب (Quality without Quantities) اي بقلة عددها وبجودتها العالية، وهو الشيء الذي سيزيد من حدة هذه الحرب والمواجهة غير المباشره بين الولايات المتحدة وروسيا وقد تلحق الهزائم بالقوات الروسية من قِبل المعارضة السورية المتسلحة بالسلاح والعتاد الأمريكي المتطور، وهو ما لن تقبله روسيا وستزود على اثر ذلك قواتها بالأفراد والسلاح أملاً في هزيمة المعارضة، ولكنها بهذا ستقوم بإنهاك نفسها في هذه الحرب و هذا ما سيحقق لأمريكا مبتغاها في إنهاك القوة الروسية والتغلب عليها فلا تستطيع المجابهة على جميع الجبهات المتواجدة فيها وتبدأ بعدها بالانسحاب شيئاً فشيئاً لترك الساحة للمنتصر.
في النهاية لا نستطيع أن ننحاز لروسيا او الولايات المتحدة فكلاهما وجهان لعملة واحدة، فروسيا لديها مصالحها مع الدول التي تحالفها، والولايات المتحدة ايضا لها مصالحها هي مع دولا اخرى ، والتي بدأت تظهر مؤخرا بميلها إلى كسب وُدِّ إيران التي تراها منجماً للذهب بعد توقيع الاتفاقية النووية و رفع الحظر الاقتصادي عنها وعن مليارات الدولارات المجمدة في الحسابات البنكية ناهيك عن الوعود التي قدمتها إيران في حالة رفع الحظر عنها لشراء الطائرات وفتح الأسواق للإستثمار للشركات الأجنبية، وعمل التسهيلات لذلك، ولكننا قد لا نرى أي تغير في السياسات الخارجية من الجانب الروسي، ولكن قد نرى تغيرات كبيرة في السياسات الخارجية الأمريكية بعد انتخاب رئيس جديد ومغادرة الرئيس أوباما للبيت الأبيض والتي نتمنى ان تكون في صالح دول الخليج العربي.
نشرت على العربية نت بتاريخ 18/10/2015