الانتشار النووي الصيني
تأليف: سوزان تيرنر هاينز
عرض وترجمة: نضال إبراهيم
في الوقت الذي ينصبّ فيه اهتمام العالم على الأسلحة النووية لدى كوريا الشمالية، وإيران، وسياسة حافة الهاوية النووية بين الهند وباكستان، يعتقد المراقبون أن الصين تضاعف حجم ترسانتها النووية، ما يجعلها «القوة النووية المنسية»، كما وصفتها مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية. وهنا تحاول البروفيسورة سوزان تيرنر هاينز، في كتابها هذا تناول التحديثات في الأسلحة النووية الصينية، والقضايا العالمية المعقدة حول السبب الذي يدفعها إلى مواصلة السعي في تحقيق التقدم الكمي والنوعي لقوتها النووية.
وقعت الصين على اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية في عام 1992، إلا أنها حتى الآن لم تصادق عليها، كما هي حال دول أخرى من بينها الولايات المتحدة، وهناك دول أخرى لم توقع أساساً، مثل الهند وباكستان و«إسرائيل». إلا أن محور الكتاب الذي بين يدينا يتناول انتشار الأسلحة النووية الصينية، وتطورها.
تحاول الكاتبة سوزان تيرنر هاينز أن تقدم في عملها – الصادر في 198 صفحة من القطع المتوسط عن دار «بوتوماك بوكس» باللغة الإنجليزية – وصفاً للسياسة العالمية العامة بهدف الحد من النمو النووي للصين، ولتخفيف المخاوف من أن «النظام العالمي الأمريكي» يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي الصيني.
استراتيجية الصين النووية
يأتي الكتاب في ستة أقسام بعد المقدمة، وهي: تصنيف الاستراتيجيات النووية، تباين هيكل القوة، استراتيجية الصين النووية، تأثير أمريكا، تأثير القوى الإقليمية، تأثير الهيبة. وينتهي العمل بخاتمة.
تستطلع الكاتبة في الفصل الأول بشكل كبير الكتابات عن الاستراتيجية النووية، وتضع الخطوط العريضة لتصنيف استراتيجيات الردع الصينية التي يمكن أن تستعمل لتصنيف الصين والدول النووية الأخرى.
ويحدد الفصل الثاني الأدلة التجريبية المتوفرة بشأن الزيادة في ترسانة الصين النووية منذ نهاية الحرب الباردة. كما يتناول بشكل مفصل التغيرات النوعية، والكمية التي حدثت في الترسانات النووية للدول النووية الأخرى الموقعة على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية خلال الفترة نفسها.
ويستكشف الفصل الثالث كيفية رؤية الصين إلى الردع، وتموضعها في سلسلة الاستراتيجيات النووية. أما الفصول الثلاثة التالية فتناقش المتغيرات الأساسية الموجودة للتأثير في استراتيجية الصين النووية وبنية القوة، من بينها بيئة الصين الأمنية على المستوى الدولي، وديناميكيات الأمن الإقليمي، ورغبتها في كسب الهيبة الدولية، ويختم الكتاب بمناقشة عن القيود الموجودة بشأن السياسة النووية الصينية مع تقديم وصفات متعلقة بالسياسة العامة للسير نحو الأمام.
تشير الكاتبة في مقدمتها إلى أنه من بين الدول الخمس التي تملك أسلحة نووية بموجب معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، تعد الصين الدولة الوحيدة التي اختارت السعي إلى تحقيق تقدّم نوعي وكمي في قوتها النووية منذ نهاية الحرب الباردة. وهذا التقدم أسفر عن أكثر من مئة سلاح نووي صيني إضافي بشكل عملي متوفر، وموزع عبر أنظمة الأسلحة النووية الأربعة الجديدة. أما كل من الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، وفرنسا، فعلى النقيض من الصين، فقد خففت العدد الإجمالي من الأسلحة النووية، وأحالت هذه الدول العديد من أنظمتهما الخاصة بالأسلحة النووية إلى التقاعد.
وتستكشف هاينز العوامل التي تؤثر في هذه القرارات، إذ تصف أولاً تأثير الاستراتيجية النووية للدولة وقراراتها على مستوى القوة، ثم تناقش تأثير العوامل الخارجية والداخلية في استراتيجية الدولة النووية. وترى أن القرار الذي اتخذته الصين، على نحو خاص، بشأن نمو وتنويع قوتها النووية على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية يمكن أن يعزى بشكل رئيسي إلى التهديد الذي تتلقاه من الولايات المتحدة، وحالة الهيبة التي تربط نفسها بها في ما يتعلق بترسانتها النووية الأكبر والأكثر حداثة. وعلى الرغم من أن علاقات الصين مع الدول النووية الأخرى لا يمكن تجاهلها، فإن علاقات الردع الموجودة ضمن هذه المنطقة المظللة نسبياً تكون لحساب توازن التفوق الأمريكي على المستوى الاستراتيجي الأكبر.
المحادثات النووية
تشير هاينز إلى أنه حتى اليوم، فإن المحادثات النووية بين الصين والولايات المتحدة كانت تتسم بسوء الفهم، وعدم الثقة. وهذا الوضع أصبح ممكناً، بشكل جزئي، عن طريق «قرن الإهانة» (الفترة التي شهدت تدخلات غربية ويابانية في الصين من 1839 إلى 1949) الذي سبق الاعتراف بالصين كلاعب حيوي على المسرح العالمي. وتقول إن «الصين عانت من الحكومة الضعيفة لسلالة تشينغ الحاكمة، وتعرضت للدمار مراراً وتكراراً بفعل الحروب التي كانت تشنها الدول الأقوى، إلا أنها دخلت النصف الثاني من القرن العشرين مع إحساس متزايد بخيانة القوى العظمى لها. ولا تزال شكوكها مستمرة حتى اليوم، وتتخلل العلاقات الصينية الأمريكية، إضافة إلى علاقات الصين مع الدول الأخرى».
وترى الكاتبة أن على الصين أن تحقق التوازن أمام القلاقل الداخلية، من بينها فقدان الحماسة الإيديولوجية بشأن الشيوعية، والولاء الضعيف للحزب الشيوعي الصيني. وفي ضوء هذه الحقائق، تعمل رواية الهوان والعار القديم للصين كبديل مناسب لإثارة القومية، وبناء هوية قومية متماسكة في الداخل الصيني. وتقول إن قدرة الصين على أن تتم رؤيتها وهي تتجاوز ماضيها – وتصمد في وجه معارضيها – مكوّن أساسي في هذه الاستراتيجية. حتى على نحو أكثر، تريد الصين أن تتم رؤيتها في دور قيادي عالمي، وبدت هذه النقطة واضحة في خطاب الرئيس الصيني شين جين بينغ أثناء ختام مؤتمر الحزب الحاكم الثامن عشر، إذ قال إن الصين لم تعد دولة فقيرة ومتخلفة كما كانت ذات مرة. إنها دولة قوية ومزدهرة، وتسعى إلى «الوقوف بحزم وقوة بين كل الأمم من حول العالم، وتقوم بمساهمة كبيرة لأجل البشرية».
واحدة من هذه المساهمات – كما تقول الكاتبة – هي إزالة الأسلحة النووية، وهي غاية اتفق عليها كل الموقعون ال 190 على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. وتضيف: «حتى الآن، الوصفات السياسية التي وضعت للتقدم في هذه الأجندة تتضمن منع التقدّم في برامج السلاح النووي الجديد، وتشديد الأمن على المواد والتكنولوجيا الخاصة بالأسلحة النووية الموجودة، وتخفيف الترسانة المتضخمة لروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وحتى الآن ليس هناك من جهد منظم لمعالجة تطوير الأسلحة خارج الإطار الروسي- الأمريكي، خاصة في ما يتعلق بالجانب الصيني. بالنسبة إلى البعض هذا الأمر يمثل مشكلة، فعلى سبيل المثال، ريتشارد داماتو، رئيس لجنة مراجعة الشؤون الاقتصادية والأمنية بين الولايات المتحدة والصين، حذر الكونغرس في 2012 قائلاً: «إذا ما كان الصينيون سيمضون في إتمام جهود التحديث التي يقومون بها… فإنهم ماضون في إنهاء نظام التحكم بالأسلحة الموجود حالياً بشكل كامل».
المخاطر المحتملة
سلطت كلمات داماتو الضوء على المخاطر المحتملة لإقصاء الصين من محادثات نزع الأسلحة المستقبلية، كما تقول هاينز، وتعلق: في الحقيقة، إذا ما آتت عملية إزالة الأسلحة النووية أكلها، فإن التعاون مع الصين سيكون ضرورياً. فالترتيبات المؤسساتية الموجودة مسبقاً لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة الاستراتيجية الجديدة «ستارت»، ومعاهدة القوات النووية المتوسطة المدى تقدم نقطة بداية منطقية، مضيفة: «ربما تكون الخطوة التالية بالنسبة إلى الصين هي تأسيس سقف لأجل أسلحتها النووية الاستراتيجية فيما بعد معاهدة «ستارت» الجديدة مع الولايات المتحدة وروسيا. ويمكن للصين أيضاً أن توقع معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وتتفق على عدم تطوير، أو انتشار الصواريخ متوسطة المدى النووية والتقليدية». وتذكر أنه في الوقت الحاضر، لا يبدو أن أياً من هذه السيناريوهات محتملة. وبدلاً من ذلك، تعتقد الصين أن الولايات المتحدة والصين تتشاركان في مسؤولية خاصة في نزع الأسلحة، لأنهما الدولتان اللتان تدلان على العصر النووي، ولا زالتا مستمرتين في الاحتفاظ بأكبر ترسانة نووية في العالم. وعلى الرغم من أنها ليست سياسة رسمية، لكن لطالما اعتقدت الصين أن على كل من روسيا والولايات المتحدة أن تخفضا الرؤوس النووية إلى أقل من ألف رأس نووي، قبل أن تقوم الصين بدورها بجهود نزع الأسلحة.
صناعة القرار الصيني
تشير الكاتبة إلى أن صناعة القرار الصيني في السياسة العامة الصينية يتم وفق الإجماع، وحسب المتطلبات، ووفقاً للرئيس الصيني السابق هو جيناتو، القصد من هذا التركيز هو «لمنع اتخاذ القرارات الاعتباطية من قبل فرد، أو مجموعة معينة من الأفراد» ولضمان أن تكون سياسات الصين نتاج تداولات واسعة النطاق. وتتناول الكاتبة كيفية اتخاذ الصين قراراتها التي تصدر من ثلاثة مراكز نفوذ مختلفة وهي: (الحكومة، الجيش، والقطاع الأكاديمي)، بهدف تقديم نظرة متعددة الأبعاد لحوافز تحديث الصين للأسلحة النووية.
وتقول الكاتبة في خاتمة عملها: «في خطابه أمام قمة مجلس الأمن بشأن الحد من انتشار الأسلحة النووية ونزعها، قال الرئيس الصيني السابق هو جينتاو، إن الصين سوف تدرس السعي إلى تخفيض الأسلحة النووية إلى جانب القوى الأخرى عندما يكون التوقيت والظروف صحيحين».
وتضيف: «إن تطوير وتحديث النووي الصيني في الوقت الحاضر مدفوع بتصور أن الولايات المتحدة تتحول إلى استراتيجية نووية أكثر عدوانية، مدعومة ومكتملة بالتكنولوجيا العسكرية المتقدمة. وإلى المدى الذي تستطيع فيه الولايات المتحدة إقناع الصين أن نواياها مع الدفاع الصاروخي الأمريكي و«الضربة العالمية الفورية» التقليدية حميدة، وليست موجهة إلى إعاقة صعود الصين، فإن احتمالية التعاون الصيني في نزع السلاح تتزايد».
هذا التحول ليس من المحتمل أن يكون فورياً، لكنه سيكون نتاج تعاون وصبر طويلين، وكل المشاركين سوف يستفيدون من الاستجابة لنصيحة وزير الخارجية الصيني لي تشاو شينغ الذي أوضح: «إذا ما تناولنا الأرز بمقدار ما يناسب فمنا في كل مرة، في النهاية سنشعر بالشبع، وإذا مضينا في الطريق خطوة في كل مرة، فإننا سنصل وجهتنا في النهاية، وإذا ما تسلقنا المنحدر خطوة في كل مرة، فإننا سنصل أعلى الجبل في النهاية».
ورغم أن الكاتبة تستخدم المفاهيم التقنية، إلا أنها قدمت صفحات توضيحية لمصطلحاتها، كي يتم التعامل مع بحثها الأكاديمي بطريقة بسيطة ومفهومة، وقد نجحت في مسعاها إذ تقدم فكرة شاملة عن الأسلحة النووية الصينية وسط الأزمات العالمية المتصاعدة، ويعد هذا الكتاب من الكتب المهمة لمراقبي السياسة الصينية والخبراء العسكريين والباحثين والمهتمين بالسياسة الصينية بشكل عام.
نبذة عن المؤلفة
سوزان تيرنر هاينز، أستاذ مساعد في العلوم السياسية بجامعة ليبسكومب في ناشفيل بولاية تينيسي الأمريكية. وهي متخرجة بمرتبة الشرف في العلوم السياسية والدراسات القانونية في جامعة تينيس الأمريكية، وفي 2010 حصلت على ماجستير في السياسة المقارنة، ثم في 2014 نالت الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة جورج ميسن الأمريكية في فرجينيا. ومن بين المقررات والمواضيع والحقول البحثية التي تحاضر فيها: الأمن الدولي، والقانون الدولي، والإرهاب، والسياسة المقارنة. تكتب في اهتماماتها البحثية باستمرار في المجلات والدوريات المحكّمة، وسبق لها أن شاركت في عدد من المؤلفات حول الصين وعلاقاتها مع روسيا والولايات المتحدة.