غير مصنفة

البشر يستهلكون أكثر من طاقة الأرض

ديفيد كورتن*

تظهر دراسات علمية أن البشر باتوا يستهلكون اليوم ما معدله 1.7 مرة أكثر من الطاقة الإنتاجية للأرض، وأن هذه الهوة تتسع
حتى نتمكن من ضمان مستقبل قابل لاستمرار البشر على هذه الأرض المستغلة بإفراط، من الحيوي أن نبني اقتصاد مشاركة يهدف إلى الاكتفاء المادي والرفاهية الروحية لجميع البشر في توازن مع أرضنا الحية. ويجب أن نتشارك في قضية مشتركة من أجل بناء علاقات عادلة بين البشر، بمختلف أعراقهم وأديانهم وطبقاتهم.
غير أن بناء علاقات قوية وصحية ليس سوى عنصر واحد في تحول اقتصادي أشمل، يقتضي إعادة موازنة علاقتنا مع الأرض ويحقق إعادة توزيع جذرية لضرورات الحياة. وهناك ثلاثة إحصاءات توضح الواقع القاتم الحالي:
1 – تظهر دراسات علمية متعددة أننا، نحن البشر، نستهلك بمعدل 1،7 مرة قدرة الأرض الإنتاجية، وان هذه الهوة تتسع. والاستهلاك بمعدلات أكبر سوف يزيد من استنفاد قدرة الأرض على تغذية الحياة.
2 – حسب دراسة لمنظمة «أوكسفام» الدولية الإنسانية (التي تركز على تخفيف الفقر في العالم)، فإن الموجودات الحالية لأغنى ثمانية أشخاص في العالم تزيد على كل ما يملكه النصف الأفقر من البشرية، أي 3.8 مليار إنسان. وهؤلاء الأشخاص الثمانية يصبحون أكثر فأكثر قدرة على الانغماس في فرط الاستهلاك، وإملاء السياسات التي تلائم مصالحهم وتزيد ثرواتهم، وتقويض شرعية ومصداقية المؤسسات الحاكمة، وحرمان مليارات البشر من الموارد الأساسية للحياة.
3 – تتوقع دراسات علمية عدة أن يتزايد عدد سكان العالم – 7.5 مليار حالياً – ليستقر عند حدود 11.2 مليار في العام 2100. وجميع أولئك البشر سوف يحتاجون إلى غذاء، وماء، ومأوى، وطاقة، وضرورات أساسية، ما سيكثف التنافس على موارد الأرض المتناقصة، ويحكم على مليارات البشر بأن يعيشوا حياة بائسة.
وبينما أخذت موجات الجفاف، والعواصف، والفيضانات، والحرائق، وارتفاع مستويات البحار تجعل مزيداً من مناطق الأرض غير صالحة للسكن، فإننا نواجه فعلياً، مستقبلاً من الموت، وتعاظم موجات الهجرة والنزوح، ما يهدد مستقبل كل إنسان بغض النظر عن الطبقية، ولون البشرة، والجنس، والدين.
وعلى مدى التاريخ، وبينما كانت إمبراطوريات تصعد وتسقط، كان البشر يعانون كثيراً نماذج مماثلة من فرط التفاوت الطبقي. ولكن كان من الممكن احتواء هذا الحرمان. ولكن البشرية لم تواجه قط من قبل ما تواجهه اليوم على نطاق واسع من انهيار وفساد أنظمة الطبيعة والبيئة، وانقراض أنواع وأجناس. وهذا الوضع رهيب إلى درجة أننا نواجه اليوم إمكانية أن نصبح أول جنس يكون مسؤولاً عن سابق معرفة عن انقراضه.
ولهذا يترتب علينا الآن أن نخفض استغلال أنظمة الأرض الإنتاجية بحدود 40%. كما يترتب علينا أن نتشارك بصورة عادلة ما تبقى من قدرة الأرض الإنتاجية حتى نلبي جميع الاحتياجات المادية الأساسية لجميع البشر، من غذاء، وماء، وهواء نظيف، وسكن، وطاقة، ومواصلات، وغير ذلك. وفي الوقت ذاته، يتعين علينا أن نحدّ من تزايد أعدادنا.
إننا نعتمد جميعاً على أنظمة طبيعة صحية ومنتجة. ونحن نتحمل مسؤولية إعادة إحياء ما ندمره من هذه الأنظمة. وما من أحد لديه حق في الحصول على المزيد ما دامت احتياجات آخرين لا تلبى.
ومن بين الإجراءات الضرورية التي يجب أن نتخذها، هناك استبدال طاقات نظيفة باعتمادنا على الفحم الحجري والبترول والغاز، والتخلي عن أساليب زراعية تدمر التربة وتستنزف موارد المياه، والاعتماد على موارد متجددة.
بعض الناس يستحقون حقاً ثرواتهم، لأنهم يساهمون بقدر مهم في الرفاه الاجتماعي. غير أن معظمهم يستنزفون الموارد، ويلجؤون حتى إلى الاحتيال، وينغمسون في الفساد السياسي.
وبينما نواجه اليوم تحديات غير مسبوقة في تاريخنا، لا بد أن نرقى إلى مستوى التحديات الخطيرة التي نواجهها، وأن نتحلى بروح من التضامن الإنساني على المستوى العالمي.

*ناشط بيئي وكاتب – موقع «إنفورمد كومنت»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى