قضايا ودراسات

البصرة وتصفية الحسابات

يونس السيد

تتجاوز الأحداث الدائرة في البصرة جنوبي العراق، قضية المطالبة بتحسين الخدمات ومحاربة الفساد والفاسدين، على أهمية هذه المطالب، إلى تصفية الحسابات بين القوى السياسية المتصارعة على تشكيل «الكتلة الأكبر» في البرلمان وإعادة ترتيب بيت الحكم.
الأسوأ من ذلك، أن البصرة تحولت إلى ساحة يختلط فيها الحابل بالنابل وميدانًا مفتوحًا للتدخلات الخارجية والداخلية، التي تحاول استغلال الغضب الشعبي المتنامي بسبب فشل الحكومة في التعامل مع مطالب المتظاهرين، والانتقال إلى استخدام القوة المفرطة في قمع الاحتجاجات، من خلال تأجيج هذا الغليان الشعبي وتوظيفه في خدمة أهداف سياسية تصب في صالح هذه الفئة أو تلك. إذ لم يعد خافيًا أن البصرة التي تحولت إلى باروميتر لقياس اتجاهات الرياح التي سيستقر عليها العراق بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، وأنها تتعرض لكل أنواع التجاذبات السياسية، فهناك في الأصل احتجاجات اندلعت من أجل تحسين ظروف حياة الناس وتوفير الخدمات الضرورية، بما في ذلك الكهرباء والمياه الصالحة للشرب وتشغيل العاطلين عن العمل، وتوجت بالمطالبة بمحاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين، لكن كل هذه المطالب تراجعت إلى المرتبة الثانية أو الثالثة، أمام صراع النفوذ بين القوى السياسية للاستحواذ على السلطة، وأمام التدخلات الخارجية، خصوصًا من جانب إيران والولايات المتحدة، حيث يحاول كل منهما إيصال حلفائه إلى سدة الحكم.
البعض بات يهدد علنًا بتحويل «الكتلة الأكبر» في البرلمان إلى جحيم قد يحرق الجميع إذا لم تتسع لكافة القوى السياسية، بالاستناد إلى إمكانية تأجيج الاحتجاجات الشعبية في البصرة وتحويلها أيضًا إلى جحيم في وجه من يشكل هذه الكتلة، أي توظيف هذه الاحتجاجات في خدمة البلطجة بعيدًا عن مسارات العملية السياسية، في وقت بات تصعيد القمع من جانب القوى الأمنية يشكل عبئًا جديدًا على الحكومة يضاف إلى إخفاقها في استيعاب موجات الغضب الشعبي بإجراءات عملية سريعة وملموسة، وتلبية ولو جزء من مطالب المتظاهرين وجلبهم إلى الحوار بدلاً من دفعهم إلى التصعيد وحمل السلاح، الأمر الذي قد يؤدي إلى انفجار شعبي هائل يمكن أن يطال العراق بأكمله.
وسط هذه الفوضى يدفع أهالي البصرة والعراقيون عمومًا الثمن غاليًا من دماء أبنائهم، ويتعرضون لأبشع استغلال يسعى لحرف هبّتهم الشعبية عن أهدافها، بينما هم يصرون على المضي قدما لتحقيق هذه المطالب للتخلص من الحالة الكارثية التي يعيشونها في محافظة هي الأغنى بين المحافظات العراقية، تشير التقارير إلى أنها تصدّر أكثر من 80 في المئة من نفط البلاد، بينما سكانها هم الأكثر فقراً بالنسبة لبقية المحافظات.

younis898@yahoo.com

زر الذهاب إلى الأعلى